هل صحيح أن "كل الوزراء "الحاليين" أطهار وأنقياء إلى أن يتحولوا إلى "سابقين" ولم يشذ عن هذه القاعدة...
هل صحيح أن "كل الوزراء
"الحاليين" أطهار وأنقياء إلى أن يتحولوا إلى "سابقين" ولم
يشذ عن هذه القاعدة وزير أو مسؤول واحد"؟
هذه العبارة التي أوردها الكاتب الصحفي مجدي
مهنا في مقالة له في يونيو 2001، تبدو مثل لطمة الحقيقة: مؤلمة.. لكنها ضرورية.
في ظل عدم وجود سوابق عن تقديم وزير واحد
للمحاكمة أو ملاحقته قضائيـًا أثناء توليه منصبه منذ أكثر
من خمسة عقود، عاد إلى الواجهة جدلٌ قائم منذ فترة طويلة حول مقولة سائدة ومسيطرة
تخلع على الوزراء حصانة كاملة من أي ملاحقة قضائية. وهي مقولة يصعب أن نجد لها
أساسـًا قانونيـًا صحيحـًا وقاطعـًا. مبعث هذا في تقديرنا هو الخلط بين التجاوزات
السياسية مثل مخالفة أحكام الدستور أو واجبات المنصب بحكم القسم الذي يؤديه
الوزراء عند تسلم مهام مناصبهم أو عدم تنفيذ توجيهات المستويات الأعلى في هرم
السلطة، وبين الأفعال التي يجرمها قانون العقوبات وغيره من القوانين التي تحدد
أفعالاً على سبيل الحصر ثم تقضي بتجريمها وتحدد العقوبات التي توقع على مرتكبها
دون تفرقة بسبب المنصب أو الجنس أو الجنسية. ولا يتمتع بالحصانة الكاملة عن
الملاحقة القضائية عن هذه الجرائم إلا رؤساء الدول والدبلوماسيون المعتمدون لدى
الدولة.
لقد
أفلت وزراء من المحاسبة والمحاكمة بالرغم من الأحداث التي جرت في بر مصر خلال
السنوات العشر السابقة لثورة 25 يناير، مثل حريق قطار الصعيد والعبَّارة الغارقة
"السلام 98" وقبلها العبَّارة "سالم إكسبريس"، وحريق مسرح بني
سويف، وجرائم المبيدات المسرطنة، وجرائم الفساد الكبرى في وزارة الإسكان وقطاعاتها
المختلفة. ولم نجد من يملك الجرأة من الوزراء كي يعلن مسؤوليته السياسية عن تلك
الوقائع المفزعة، ليتم الاكتفاء بتقديم كباش فداء لهذه الجرائم حتى يقفل ملفها.
يحدث
هذا على الرغم من أن الوزير - أي وزير- يعد من الناحية السياسية مسؤولاً عن
السياسة الخاطئة في وزارته، والقرارات العشوائية التي تنتج عنها كوارث؛ لأنه في
النهاية مسؤول عن الأجهزة والأشخاص المعاونين له. كما أن مسؤولياته تأتي نتيجة خطأ
في اختياراته لمعاونيه أو خطأ وتقصير في الرقابة والإشراف على مرؤوسيه.
محكمة النقض سعت إلى سد هذا الفراغ التشريعي في سنة 1979 حين
أقرت بأن القضاء العادي يختص بمحاكمة الوزراء على الجرائم التي تقع منهم أثناء
العمل وبسببه، باعتبار أن القضاء هو صاحب الولاية العامة في المحاكم والمساءلة لأي
مواطن، ومنهم الوزراء. وبالفعل تم تطبيق ذلك في قضية صفقة طائرات بوينغ سنة
1979 التي تمت فيها محاكمة المهندس طيار أحمد نوح أحمد، أول وزير للطيران المدني
في مصر، بتهم التربح وإهدار المال العام، وكذلك قضية القمح الفاسد التي تمت فيها
محاكمة وزير الاقتصاد ونائب رئيس الوزراء في ذلك الوقت، حيث تمت محاكمة كل منهما
أمام محكمة النقض.
والشاهد أن كل الوزراء الذين خضعوا للتحقيق أو
المحاكمة طوال عقود طويلة، جاء ذلك بعد إقالتهم من مناصبهم، أو حتى في
عهود تالية أعادت فتح الملفات القديمة ومحاسبة أركان النظام السابق بأثرٍ رجعي. بل
إن معظم من حوكموا من الوزراء كانوا ممن تخلص منهم النظام.
في معظم تلك الحالات يمثل الوزير المتهم أمام
القضاء وتتابعه وسائل الإعلام بنهم شديد، في حين يترقب المواطنون النتيجة في مقاعد
المتفرجين.. وفي أغلب الأحوال تنفخ الريح في أشرعة الوزير السابق، لنكتشف أنه بريء
وطاهر.. وأن الغلط فينا، نحن المواطنين!
ردود