ليس مِنا مَن خبا هاجعـًا وسط عذاباته. هكذا يقول كتابُ الحياة الذي لم نفرغ بعد من قراءته. ها أنا أختلس الثواني مجددًا لأعلق كلماتي...
ليس مِنا مَن خبا هاجعـًا وسط عذاباته.
هكذا يقول كتابُ الحياة الذي لم نفرغ بعد من قراءته.
ها أنا أختلس الثواني مجددًا لأعلق كلماتي على لبلابة
تويتر التي تتسلق أسوار قلبي. إنها رحلة جديدة بحثـًا عن كتابةٍ تختصر المساحات والمسافات،
وتختزل الوقت والحروف، قبل أن تطبع على الوجوه قبلة نسكب فيها ريق الأمل.
كتبتُ على تويتر كل ما يمكن أن يذهل روحي، مفتونـًا بهذه
الرغبة الجامحة في لمس الأفق، ومأخوذًا بسحر المعاني والمشاعر، مثل كتلة ضوء
متوهجة، تنجذب إليها سفينة تتأرجح على صفحة الماء.
كانت تلك التغريدات تتقافز داخل رأسي حتى تولد وتصل إلى
عقول القراء وقلوبهم. وحتى في الطقس المتجهم، لا تنسى أسراب الطيور جنونها. والنوارس كائناتٌ منذورة للحرية والانطلاق.
والكاتبُ الحُرُّ طائرٌ تتحرق روحه إلى الانطلاق، ويهجر الضفة
الساكنة المملة باتجاه سماء قَصية، فإن صمتَ وجف حبر دواته أحس بجناحيه مثل قطعتين
من معدن ثقيل.
ومن تفاصيل الحياة التي تنسج خيوطها مصائرنا، تتراكم
الصور وتتزين الحروف في حيويةٍ متجددة. وحدها النوارس يبدو البَحْرُ صفحة ساكنة تحت ناظريها.
وكل شيء موجود، ما دمنا نتذكره.
بالشغف المدهش، نحكي ونبوح، ونتألم ونتعلم، فالعاشق يقف
دومـًا على حافة الحقيقة، لكنه لا يقترفها بالضرورة. والكاتب الصادق كلما سقط له خريفٌ، اكتشفَ أنه لا مكان
يتسع لقبرٍ جديد في القلب.
وهذا الكتاب ليس مجرد تغريداتٍ خططناها، بل هو حديث
الأيام، تلك القطرات الشحيحة التي تسقي نبتةَ أيامنا وتنزع عنها أشواكها. وهو تحية
الصادقين لكل حُرٍّ يزيح صخرة من رقادها البارد ويزيل حُجُبَ الضباب، حتى تتوهج
أمامنا سنواتُ المستقبل زاخرة بالوعود.
لهذا، لم أكن أضع نقطة في نهاية كل تغريدة؛ لأنها قد
تكون مجرد البداية.
وفي هذا العالم الافتراضي، نصعد درجات سلمٍ مأسورة
بالحنين، حتى نبلغ شرفات السقوط. نتكئ على إفريز السماء، ثم نكتب قصيدة لا علاقة
لها بالحياة.
في باب التفاصيل، سنعرف كيف تكون الحياةُ مسرحية كل
الأدوار فيها حزينة، وسندرك لماذا نجلس في عتمة الشرفة كي نحصي أخطاءنا والنجوم.
هكذا يتصرّف القلب حين يحبُّ أو يحزن.
وفي باب اللحن، سنطالعُ بعض شعاع قمرٍ صيفي رقيق وهو
يحنو على نافذة ويتمتم على الأرض بعذوبةٍ لا تُضاهى. ساعتها نرى الطيورَ رُسلاً
بأجنحةٍ من حنين.
وفي باب المدن، سنزور بلادًا تحاكي الصبر، وشوارع تناجي
الوقت، وأحياء نطير على بساط غمامها باتجاه المجهول الذي نشتهيه.
وفي باب السياسة، سنحارب اللعنات التي جثمت فوق صدور
أوطاننا، ونواجه أنفسنا بقيودٍ اختارتنا ولم نخترها، ونحتفل بالحرية التي تقف في
انتظارنا مع قدوم الربيع.
وفي باب اللعب، كل شيء مباح، من الكرة التي دوّختنا إلى
المجازر التي روَّعتنا، كما لو أن المدرجات خُلِقتْ للهتاف والنحيب.
في تلك الأبواب المختلفة، كانت الأرض برمتها تمشي على
حافةٍ أرق من التي يقف عليها الكون. تمشي، ونمشي معها، نحن الذين لا نشفى من
الأمل.
لم يكن هذا كله ممكنـًا لولا أعجوبة الحروف التي تتقن
البلاغة وتذيب الدنيا، وجاذبية المنبر الذي نقف عليه كي نطلق عصافيرنا: تويتر.
قد يغلب الظن لدى البعض بأن تويتر تجربة سهلة بالنسبة
لأي كاتب أو أديب، غير أنه أصعب مما يظن كثيرون. وفي كل مرةٍ يَنْقُرُ فيها على
لوحة المفاتيح بتغريدةٍ جديدة، يبدو الكاتب مثل حطابٍ يقطع شجرةً لأول مرة.
ومع كل تغريدةٍ، يقول الأديب لمن يتابعه على تويتر: لا
تنس ظلي المُنهكَ وراءك.
وهكذا نكتشف أن المسافة بين القلب وبين التغريدة لا
تتغير.
هذه الأهمية المتزايدة لفضاء تويتر، جسدَّته وكالة
"أسوشيتدبرس" في تقرير لها في 4 نوفمبر 2011 كشفت فيه أن وكالة
الاستخبارات الأميركية "سي. آي. إيه" تراقب أكثر من 5 ملايين تدوينة
قصيرة يوميـًا على موقع تويتر في دول عدة، بينها مصر، مضيفة أن الوكالة تمتلك
مركزًا خاصـًا بذلك يرصد جميع التدوينات لإعداد تقرير معلوماتي وتسليمه للرئيس
الأميركي يوميـًا.
تويتر، يا من جمعت السياسة باللعب، ولوَّنت المدن
بالغناء، وزاوجت بين النساء والتفاصيل، أهديك هذا الكتاب من باب الوفاء والثناء
المستحَق.
وبعد،
تلك حروفي
وهذه أحوالكم، تروي الحكاية.. بدون رتوش.
من مقدمة كتاب
"فضة الدهشة"، دار العين للنشر، القاهرة، 2012
ألف مبروك ياصديقي أمنياتي لك بالسعاده و التوفيق في حياتك ..
ReplyDeleteشكرًا لك يا صديقتي على هذه التهنئة الرقيقة. دمت صديقة عزيزة
ReplyDelete