اللاعب الجَسور يقتل الخوف من الحياة، ويجرح الموت بالحياة ! اللاعب الجوّال حقيبته تمتلئ بمفاتيح البيوت البعيدة. في كل مباراة يقتل في ال...
اللاعب الجَسور يقتل الخوف من الحياة، ويجرح الموت بالحياة!
اللاعب الجوّال حقيبته تمتلئ بمفاتيح البيوت البعيدة.
في كل مباراة يقتل في المستطيل الأخضر ألف احتمال، أملًا وطمعًا
في احتمال وحيد: النصر.
يركض بساقين مُعذبتين كي يسبق ويفوز، ويتغلب ويتصدى للمنافسين.
الفوز بالمباراة أو البطولة يبدأ حلمًا من الورق المقوّى،
ويتسابق الجميع لتحويله إلى حقيقة.
من أجل ذلك، ينام المدير الفني على ظهر حوت أزرق مثل طفل صغير أصابته
حُمّى الخرافات.. ويتحفز
حارس المرمى دون أن يرف له جفنٌ أبدًا. بعقلٍ متبصّر وحكيم، وقلب فارس، يستمعُ إلى
رنين الخوف، إلى الدقائق، إلى الثواني، إلى صافرة الحكم. لو قصفوا له المرمى،
ينثني على ضلعه كي يحرسه..
ويحاذر المدافعُ الكراتِ اللولبية الساقطة، والتسديدات بعيدة
المدى، وأصحاب المهارات والقامات الطويلة من الخصوم..
ويصنع لاعب خط الوسط أجنحة نورس كبير يُحلِّق ببطء..
ويمرقُ المهاجم مع كلّ فرصةٍ سانحة كأنه حزمةٌ من الرياح. يتسلق
لاعبو الأجنحة ورؤوس الحربة، هؤلاء الرجال الكونيّون، سلّمًا من نار، وعندما يلمسون
أقدام الحقيقة، يُثبتون بمهارتهم أنهم ينتمون إلى كوكبٍ آخر. ربما أراد المهاجمون
في طفولتهم أن يكونوا خيولًا، خيولًا بريئة...
وبين الأوتار المشدودة والحناجر التي تتهيَّأ للرَّماد، يصلِّي
الجمهور في المكان المعمّد للصيحات والأهازيج والهتاف، المسمى: مدرجات.
يا لذلك اللَّمعان السَّائل في المآقي فرحًا أو حزنًا، فخرًا أو
نكسارًا!
يا للجنون وسخاء الجلود وشبكية العيون!
يا لكثافة الصرخات والطبول والمزامير!
يا لجمال المشجعين الذين ينقشون على
رخام قبورهم سيرة ذاتية لأفضل الأهداف وأعظم اللاعبين!
كرة القدم حربٌ مستمرَّة في الاستحواذ على أفئدة الجميع.
الملعب امتدادٌ
لأرضٍ أخرى، والمباراة زمنٌ قصير لكنه ساحر؛ اليوم بأكمله يبقى صافيًا كما
الكريستال، والأماسي مشرقة. يصبح الهواء خفيفًا، ولا يعود يُسمَع صوت الطيور، لكن
زرقة دافئة ونقية تنسكب فوق سماء المشجعين.
قد يعاني عاشق الكرة من «تقلبات الحُب»، إذ إنه عندما يعتقد أن
الألم في قمته، بدون تفكير، ينتهي مرة أخرى، ثم عندما يشعر بأفراحه وبشارة النصر
مؤكدة وأن ساعة سعادته الكبرى حانت، قد يتجدد ألمه ثانية بهدفٍ مباغت للفريق
المنافس.
وفي أهداف الوقت القاتل ما يصعق الحشود ويُدمي الجميع. إنها
الأهداف التي تفاجئك وتصدمك، لتصبح مثل عروسٍ تكتشف متأخرًا أن لكعكة الزفاف جراحًا.
يبقى اللاعب مشدود الأعصاب كما المتفرج؛ لِأَنَّ الهدف في
المباراة خطأُ حياةٍ بأكمَلِها والهجمات المرتدة تَقلُّباتٌ لَا يُمكِنُ
تَوَقُّعُها.
الكرة التي تهز الشباك تصنعُ مجدًا يفوق حياة العابرين ممن لم
يسلكوا دروب مؤازرة فريقٍ بعينه، وتُخلِّفُ ندمًا وحسرة للمعسكر المهزوم.
في هذه اللعبة الساحرة، الفريق المهزوم شجرة خروب محطمة
بالعاصفة. والفريق المنتصر يرى أن كل شيء يغني. أما المشجعون أمام الشاشات وفي
الملاعب، فتجدهم خائفين أن تتوقف الموسيقى. خائفون من قطع الخيط الذي يخيطون به الآمال
والأيام في ذاكرة اللعب.
حتى المدرجات الخاوية إلا مِنْ خَشَبِ مَقاعدِها، تهتز مع كل
هجمة وتهتف مع كل هدف.
أتمنى
لكم قراءة تجمع بين الفائدة والمتعة.
--------------
من مقدمة كتابي:
كرة الندم، دار نيسان، 2025














ردود