معجم الألم

  بلا فائض استعارات، أكتبُ عن قيامةٍ كبرى زلزلتْ أيامي وأحلامي. في خزانة الأسى، نحن مرضى بطول البال، نحاول إعادة تسمية الدموع. الموتُ   ...

 



بلا فائض استعارات، أكتبُ عن قيامةٍ كبرى زلزلتْ أيامي وأحلامي.

في خزانة الأسى، نحن مرضى بطول البال، نحاول إعادة تسمية الدموع.

الموتُ مُحرّك الدمى.

الغزالة المولعة بالركض، سبقتْ الملائكة إلى غيمةٍ محجوبة.

«حبيبة».. دمعة تقطع الطريقَ على خدي.

مستْ روحها روحي، وإن توسدت التراب.

تركتني هنا، أنا الوحيد، الخاسر، المنسي، الذي يحلم بالوصل، وإن كان هناك.

توجعني الأيام، فلا اكتمال للمرء إلا بحضور من يُحِب.

لا يعرف الحزنَ إلا من يكابده.

ولأن الصباحات بعد الفقد، ثقيلة مقبضة، فقد حاولتُ بحدسٍ مُلتبس، وحنين يعجز عنه الوصف، وأحاسيس غير قابلة للاستيعاب، أن أكتبَ عن هذا الفقد المرير الذي لم أتعافَ منه بعد.

«حبيبة»، التي أقبلتْ من ميراثها المدَّخَر من أمٍ هي سيدةُ الحرائر، أنارتْ سماءنا، ثم ذهبتْ ومعها أنوارنا جميعًا.

ربما جاز القول إن رحيلها كان طريقة للارتفاع قليلًا عن الصخب والضَّجيج.

في صيفٍ خانَ الودادَ والمدن، غابت، تاركةً لظهري المنحني حسرةً وشوكة.

يا لكل هذه الفوضى في بهو روحي!

في حضرة الموت، تلك الأحجية التي لم يستطع الإنسان أن يفكِّكها، تنفتح أبوابُ إدراكنا، فلا تعود حياتنا كما كانت من قبل.

تغيّرنا، ومن اللائق توثيق هذه اللحظات بإحساس من فقدَ غاليًا، ودفن معه شعلة الأمل.

ففي الأسى، تنضج اللغة في فمك، ويصبح للمرارة لسانها الفصيح.

تتصدَّع الكلمات قليلًا، وتتخثر النجوم وتصبح الدقائق ضربةً على الجبين.

وحدها الدموع تحكي بلا كلام.

ونحن لا نحزن، بل نعيد خلق الألم من جديد.

هذه السطور هي قلبي، ذلك الفتات الذي لم يهتدِ إليه النمل بعد. هي الآه حارقة الحشا، والدمع الذي يذيب الروح حرقة.

ليست كتابة حزن، بل كتابة شفاء من أسى مستبد.

تعلَّمتُ كلما تكاثرت الندوب في أيامي أن أعالجها بالكتابة، فالكلمات مساحةٌ جيدة للاختباء.

إن الحزن الناجم عن وفاة الابنة/السِبط أكثر تدميرًا من أي فقدٍ آخر. وقد تم تقديم هذا الحزن العميق ببراعة في قصيدة «غدًا، عند الفجر» لفيكتور هوغو. كتب هوغو القصيدة في عام 1843 بعد غرق ابنته الحبيبة ليوبولدين مع زوجها. استغرق الأمر عقدًا من الزمان حتى يتمكن الشاعر والكاتب الفرنسي، الذي نال استحسانًا كبيرًا لروايات مثل «البؤساء» و«أحدب نوتردام»، من إعادة نشرها مرة أخرى.

عربيًا، طالعتُ أعمالًا شفيفة عن العلاقة بين الأب أو الأم والابنة، وتركَ ما كتبه إبراهيم عبد القادر المازني عن ابنته «حياة» في نفسي أثرًا.

بالنسبة للقصائد الغربية عن البنات، فكَّرتُ في ما يلي:

«الطريق السريع بين الولايات» لجيمس أبلوايت

«الأسبوع الأول لابنتي» لغينادي آيغي

«الرمان» لإيفان بولاند

«الطعام الليلي» لإيفان بولاند

«فتاة حديثة الولادة في عيد الفصح» لنان كوهين

«البيسترو ستيكس» لريتا دوف

«غدًا، عند الفجر» لفكتور هوغو

«العودة إلى المنزل بعد ثلاثة أشهر من الغياب» لروبرت لويل

«سن صغيرة» لتوماس لوكس

«أشيل» لديريك ماهون

«لابنة تغادر» لجانيس ميريكيتاني

«بنات، 1900» لمارلين نيلسون

«أغنية الصبا» لسيلفيا بلاث

«البالونات» لسيلفيا بلاث

«إلى جيسيكا، ابنتي» لمارك ستراند

«الكاتب» لريتشارد ويلبر

«صلاة من أجل ابنتي» لـ دبليو بي ييتس

بكثير من الغُصَّة والجَزَع والشجن الدّوّار، أفتح أمامكم قلبي، كي تروا هذا الملاك الذي لن يغادر: «حبيبة».

سأريقُ دمَ حزني هنا، حتى أعود إليه كلما خانني النسيان.

أتمنى لكم قراءة تجمع بين الفائدة والمتعة.

---------------

من مقدمة كتابي:

معجم الألم، دار اكتب، 2025.


ردود

Name

إعلام,20,الحكواتي,244,المحروسة,304,بشر,150,رياضة,106,سينما,13,مؤلفات ياسر ثابت,103,مروج الذهب,171,مساخر,51,وطني الأكبر,28,
ltr
item
قبل الطوفان: معجم الألم
معجم الألم
https://blogger.googleusercontent.com/img/b/R29vZ2xl/AVvXsEhmRw5TI30aIrHjrlZ_rYA7XicOKeNAkeMyuBaQJWKllUOHdEnSe075N-I4XagCYhyZTMU76Y_DYzTszpR3mLchaYKTBTDl08JuSYQoL6VRlx2q_aZsVitvfM7QR_2LyCEjoIa7CI57kODEr78QOJafQv5gQM5gIgGmoht08dbDzAW8hMXlXTLcBCqKAiLw/w422-h640/%D9%85%D8%B9%D8%AC%D9%85%20%D8%A7%D9%84%D8%A3%D9%84%D9%85%20-%20%D8%BA%D9%84%D8%A7%D9%81.jpg
https://blogger.googleusercontent.com/img/b/R29vZ2xl/AVvXsEhmRw5TI30aIrHjrlZ_rYA7XicOKeNAkeMyuBaQJWKllUOHdEnSe075N-I4XagCYhyZTMU76Y_DYzTszpR3mLchaYKTBTDl08JuSYQoL6VRlx2q_aZsVitvfM7QR_2LyCEjoIa7CI57kODEr78QOJafQv5gQM5gIgGmoht08dbDzAW8hMXlXTLcBCqKAiLw/s72-w422-c-h640/%D9%85%D8%B9%D8%AC%D9%85%20%D8%A7%D9%84%D8%A3%D9%84%D9%85%20-%20%D8%BA%D9%84%D8%A7%D9%81.jpg
قبل الطوفان
https://yasser-best.blogspot.com/2025/02/blog-post_83.html
https://yasser-best.blogspot.com/
https://yasser-best.blogspot.com/
https://yasser-best.blogspot.com/2025/02/blog-post_83.html
true
5099734155506698511
UTF-8
تحميل كل الموضوعات ليس هناك أي موضوع مشاهدة الكل تابع القراءة تعليق مسح التعليق حذف الناشر الرئيسية الصفحات الموضوعات مشاهدة الكل اقرأ أيضا قسم أرشيف ابحث كل الموضوعات لم يتم إيجاد موضوع يطابق بحثك عودة إلى الرئيسية الأحد الاثنين الثلاثاء الأربعاء الخميس الجمعة السبت الأحد الإثنين الثلاثاء الأربعاء الخميس الجمعة السبت جانفي فيفري مارس أفريل ماي جوان جويلية أوت سبتمبر أكتوبر نوفمبر ديسمبر جانفي فيفري مارس أفريل ماي جوان جويلية أوت سبتمبر أكتوبر نوفمبر ديسمبر اللحظة قبل دقيقة $$1$$ قبل دقيقة قبل ساعة $$1$$ قبل ساعة أمس $$1$$ قبل يوم $$1$$ قبل أسبوع قبل أكثر من 5 أسابيع متابعون تابع محتوى مشروط اضغط لفك التشفير انسخ الكود ظلّل الكود تم نسخ الكود في الكيوبرد لم يتم نسخ الكود/ النص, اضغط [CTRL]+[C] (or CMD+C with Mac) للنسخ