قِصةُ حُبٍّ على وشكِ البَدْءِ

    قِصَّةُ حُبٍّ على وشكِ البَدْءِ     «ا حكِ لي قصّة... في هذا القرن، وهذه اللحظة، من الهوس والحمق، احكِ لي قصّة. اجعلها قصّة مساف...

 



 

قِصَّةُ حُبٍّ على وشكِ البَدْءِ

 

 

«احكِ لي قصّة... في هذا القرن، وهذه اللحظة، من الهوس والحمق، احكِ لي قصّة. اجعلها قصّة مسافات بعيدة، ونجوم ساطعة. اسم القصّة سيكون الزمان، لكن، حذارِ، يجب ألا تنطق اسمه. أخبرني قصّة فرحة عميقة».

*روبرت بين وارّن Robert Penn Warren

 

 

في قارورة الوقت، بضعُ حباتِ رملٍ ناعمة.

ما تسرَّب منها، مضى واختفى، كما لو كان يتابع حياته مع آخرين.

أتعثّر في الذكريات، فتعاودني الكوابيس الصغيرة التي تنخرُ في جمجمةِ الهَباءِ.

على الأسِرّة الهشة، ينطفئ كل شيء. نرتدي قميص المهزومين ونخلدُ إلى نومنا المتقطع.

المنجل يلمع، ونحن في رقدتنا المخيفة.

هذا الليل الأصم ندبة دون ضمادات.

كل يوم يجرّ معي خيطًا آخر من الروح. كلّ غدٍ جرحٌ جديد.

المساء يدخل في المساء، حتى لا نعود مرئيين ولا مفهومين.

أعبرُ العمرَ وحيدًا، إلا من ذلك الضوء الهائم الذي يجسِّدُ عناد الزمن وصخبه.

وأنا عاشقٌ يائس من انتظاراته.

سرقتْ المدنُ قوتي في غفلةٍ وأصبحت كنباتِ الماء. يؤلمني قلبي المليء بالواجهات والمغلف بطبقات الصمت.

حكايات الفقد قصيدةٌ متوحشة، لا تستثني من أرواحنا شيئًا.

البكاء ترتيلٌ بالغ العبقريةِ والشجن، يدغدغ فينا هذا النّقصَ المُنَزّه ويزيد من تجاعيد الطّريق.

بعضُ الصمت يطوي تحته من المعنى ما لا يسعه كلام.

حياتنا باتت دون قصص ودون رواة.

غاب الحكاؤون المهرة بحكاياتهم التي تفتن المهج وتشدّ الأنفس.

ماتت الحكاية. قتلها الكلام المُرسَل، والثغاء اليومي المنمَّق الخاوي والجميل أحيانًا لإنسان العصر. بدّدها اللغو المثقّف، والثرثرة المتبجّحة التي تشبه خدر الأزمنة. قتلتها النكت الجاهزة والإفيهات السريعة، وقوَّضتها ابتسارات اللغة وغوغائية المعنى واختصارات الفكر وتضاؤل المخيلة.

مهارة القصّ حلّ محلّها القيل والقال.

لا أحد ينجوَ من فتنة اللغة.

نحن الغرباء الأبديون، لوحتنا لا تجف ألوانها. ولأن الوداد شاطئنا الأخير، فقد أنشأت مدونة  تستقرئ التاريخ بعينٍ بصيرة، وتمشط شعر الأحلام بحنان.

في «قبل الطوفان» حنينٌ يُشكّلُ أواخرَ الكلمات، كما نغمةٍ تستريح على كتف عازف مغمور.

الاسم نفسه همهمةٌ ذهبيَّةٌ في فَمي.

في كل منشورٍ أبحث عن الحقيقة أو أكتب عن المجاز. والكاتب الصادق لا يتعكّزُ على العالَمِ، بل يملأُ شقوقَ النّهر بالشوق والعناق.

وفي الذكرى التاسعة عشرة لإنشاء المدونة، هذا النور المضاء دومًا، يقرأُ المجهولُ خطوطَ راحتي بصوتٍ جارح وضحكةٍ تمحو الشَّفافية وتشرّد الجهات.

مع كل ذكرى، تسيلُ المسافة، وترتج مثل نهدين ثوريين يقاومان الجوع بالقبلات.

ومدونة «قبل الطوفان» نطفة حياة تشدّ قوس الأمل؛ إذ إن فيها من الكتابة ما يكافئ حيواتي المتعددة.

وهي قِصَّةُ حُبٍّ على وشكِ البَدْءِ.

مؤلفاتي هي عيون التلفت والتوقف، وعيون التذوق والانهمام. 

وهي تُراوح دومًا بين كرم النثر واقتصاد القصيدة. إنها عصارة قلبي الذائب من الحُب الذي يقدر على كل شيء ويغفر كل شيء.

في هواء اللحظة، أتقدَّم من محنة إلى أخرى. أهذِّب الوجع في كتاب: «معجم الألم» (2025).

بوعيٍ مضاعف، أمشي ألف خطوةٍ في مكاني، أنا الذي لا تهدأ تحت قدميه أرض، كي أخط «برتقال وأشواك: أدب برائحة البارود» (2024).

مثل قُبلة في هواء المحاولة، أبدأ سلسلةً جديدة تُوِّجت بكتابين: «كيف تقرأ؟ كافكا أديب العزلة ورائد الكتابة الكابوسية» (2025) و«كيف تقرأ؟ ماركيز ملك الواقعية السحرية» (2025).

يحمل «ثورة المائدة: تاريخ عائلي للطعام» (2025) إجابات طويلة عن مسائل تربط بين الغذاء والتطور الإنساني، وتحكي عن خريطة الأطعمة وتمازج الثقافات.

ويوضح «تاريخ كوكب القاهرة» (2025) كيف أن الماضي الذي نعيشه جاءنا من المستقبل.

«أيام العظمة والانحدار: صفحات من تاريخ المحروسة» (2025) حفرٌ عميق في حكاياتٍ جميعها حادة ونازفة.

نعاين الحقيقة ولا شيء سواها في «أكبر خدعة في التاريخ: حكايات ضد النسيان» (2025).

ونتعلَّم في «كرة الندم» (2025) أسماء من يديرون لعبة الحياة. وأدب كرة القدم عندي يلامس أفق التجريب، والاجتراحات اللغوية، كخاصية أسلوبية مائزة تُثري جمالية النصوص، وتوسع من حقولها المضمونية، دون أن تتردى في وهدة التغريب والإبهام.

في «سينما النحت في الزمن» (2024) يتلقى القارئ الرصاصة بدهشةٍ وأمل.

وتروي «حياة جميلة مرت بجانبنا» (2024) المياه المتبقية في العروق التي جففها الغياب، عن فنانين رحلوا محمّلين بالآهات وجميلاتٍ كوّرن فضة أجسادهن في تنور الرغبة والرمان المراهق.

وعلى صفحات «سينما النهايات الخالدة» (2024)، لا نستسلم للمسافة بين الواقع والخيال، ونعبر بين عالمين لا يخلوان من الأغاني والشبق.

في عامٍ جديد من هذه المدونة، التفاؤل كبير حتى وإن كان التشاؤم وجبة ندمٍ جاهزة.

ردود

Name

إعلام,20,الحكواتي,244,المحروسة,304,بشر,150,رياضة,106,سينما,13,مؤلفات ياسر ثابت,103,مروج الذهب,171,مساخر,51,وطني الأكبر,28,
ltr
item
قبل الطوفان: قِصةُ حُبٍّ على وشكِ البَدْءِ
قِصةُ حُبٍّ على وشكِ البَدْءِ
https://blogger.googleusercontent.com/img/b/R29vZ2xl/AVvXsEiWDAOSTn5tl56fG3w72guFQfcTn0IXoD9WQCidLqidOqQ4GXlm4aFamF15YQgeupFYFsEgKAkFWes-l1pppVMEH87fO8cuEUbSNnHMcVg7KxfjmnLnBsuwxEhaa4sVx1Nz9oS9GvdYEbTTDj1nnmWRvx4WyACv1miXgI0aAPYjHwJOEWRSNDtvwLtLl2m_/w320-h400/Books.jpg
https://blogger.googleusercontent.com/img/b/R29vZ2xl/AVvXsEiWDAOSTn5tl56fG3w72guFQfcTn0IXoD9WQCidLqidOqQ4GXlm4aFamF15YQgeupFYFsEgKAkFWes-l1pppVMEH87fO8cuEUbSNnHMcVg7KxfjmnLnBsuwxEhaa4sVx1Nz9oS9GvdYEbTTDj1nnmWRvx4WyACv1miXgI0aAPYjHwJOEWRSNDtvwLtLl2m_/s72-w320-c-h400/Books.jpg
قبل الطوفان
https://yasser-best.blogspot.com/2025/02/blog-post.html
https://yasser-best.blogspot.com/
https://yasser-best.blogspot.com/
https://yasser-best.blogspot.com/2025/02/blog-post.html
true
5099734155506698511
UTF-8
تحميل كل الموضوعات ليس هناك أي موضوع مشاهدة الكل تابع القراءة تعليق مسح التعليق حذف الناشر الرئيسية الصفحات الموضوعات مشاهدة الكل اقرأ أيضا قسم أرشيف ابحث كل الموضوعات لم يتم إيجاد موضوع يطابق بحثك عودة إلى الرئيسية الأحد الاثنين الثلاثاء الأربعاء الخميس الجمعة السبت الأحد الإثنين الثلاثاء الأربعاء الخميس الجمعة السبت جانفي فيفري مارس أفريل ماي جوان جويلية أوت سبتمبر أكتوبر نوفمبر ديسمبر جانفي فيفري مارس أفريل ماي جوان جويلية أوت سبتمبر أكتوبر نوفمبر ديسمبر اللحظة قبل دقيقة $$1$$ قبل دقيقة قبل ساعة $$1$$ قبل ساعة أمس $$1$$ قبل يوم $$1$$ قبل أسبوع قبل أكثر من 5 أسابيع متابعون تابع محتوى مشروط اضغط لفك التشفير انسخ الكود ظلّل الكود تم نسخ الكود في الكيوبرد لم يتم نسخ الكود/ النص, اضغط [CTRL]+[C] (or CMD+C with Mac) للنسخ