صنع محمد صلاح إلياذته الفريدة، بالعرق والكفاح والموهبة، ووضع في كل نادٍ كروي لعب باسمه لبنةً جديدة في صرحٍ شاهق وخطوة إضافية في مشوار الخل...
صنع محمد صلاح إلياذته الفريدة، بالعرق والكفاح والموهبة، ووضع
في كل نادٍ كروي لعب باسمه لبنةً جديدة في صرحٍ شاهق وخطوة إضافية في مشوار
الخلود.
السهم الناري ذو الأصل والفصل المصري، حقق مسيرة خيالية
الإنجاز، عظيمة الأثر على أبناء جلدته، حتى تصدّرت صورته أغلفة صحف العالم.
نجاحاته المتتالية ومنجزاته المدهشة هي إكسير الفرح لتكدرات أهل بلده وبني جلدته.
ببساطة، ما تفعله صعوبات الحياة بهم فعَلَ عكسها دومًا، صانعًا دهشةً تلتف حول
شعيرات رموشنا وتمنعها من الانغلاق. مرة تلو الأخرى، رأيناه يحطِّم الأرقام
القياسية كلاعب فذ، أو يسجِّل معدلًا تهديفيًا يضعه ضمن مصاف نخبة هدافي العالم.
لمسات أسطورية وأهداف لا تُصدق، جعلته اللاعب الأكثر إثارة لرعب
سادة فرق الكرة حول العالم. مراوغاته، وتمريراته، وتسديداته، هي حديث المقاهي الشعبية،
وجلسات المثقفين، وموائد الساسة، لكن تبقى أحلام الصغار به هي الأروع في مسيرته
الطموح المكللة بنجاح بعد إصرار، ومجد بعد تعثر، وتاريخ حافل بعد تهميش مخل.
لم يعد محمد صلاح مجرد
لاعب كرة قدم مصري، بل إنه يعد بكل المقاييس أحد أفضل لاعبي الكرة في العالم الآن.
إننا نتحدّث عن لاعب دخل قائمة الأساطير في الدوري الإنجليزي،
وأصبح ضمن قائمة أفضل 10 هدافين في تاريخ «البريميرليغ»، ونجح في حصد كل الألقاب الممكنة في كل بلدٍ لعب فيه
محترفًا، من سويسرا إلى إيطاليا وإنجلترا.
جمع هذا اللاعب الأيقونة بين الموهبة والمهارات، والقدرة على
تغيير نتيجة أيّ مباراة في أيّ لحظة. جمهوره الذي يتابعه أينما حلَّ، يتحلق حول
شاشات التليفزيون في البيوت والمقاهي والأندية، للاستمتاع بأدائه الراقي ومراوغاته
المدهشة وسرعته القائقة، فضلًا عن تسديداته الماكرة التي تنتزع الآهات من جمهوره
الممتد عربيًا من المحيط إلى الخليج، والمنتشر في أربعة أركان العالم.
دعونا لا ننسى أنه أيضًا ثاني أفضل هداف في تاريخ منتخب مصر
لكرة القدم، وأنه صاحب الدور المحوري في التأهل لنهائيات كأس العالم لكرة القدم في
روسيا عام 2018، بعد طول غياب، ليصبح مصدر إلهام لملايين الأطفال في مصر وبقية
أنحاء العالم العربي.
ولولا غياب التوفيق في ركلات الجزاء الترجيحية أمام منتخب
السنغال القوي، لكان منتخب مصر على موعد مع التأهل للمرة الثانية على التوالي إلى
نهائيات كأس العالم في قطر 2022.
ولعل توقيت ظهور محمد صلاح في مرحلة من التراجع والانهيار والتجريف
الشامل للرموز والأسماء والعقول والمنجزات، هو ما يضفي عليه قيمةً أكبر للاعبِ
القدوة على مختلف المستويات.
من الممكن أن يؤدّي الحظ دورًا في شُهرة أحد اللاعبين، في
احتفالٍ بتسجيل هدف، أو عَبْرَ أيّ موقف من الممكن أن يحدث في ملاعب كرة القدم،
لكنْ أن تصل إلى القمة بسبب مجهودك الخاص، وأن تثابر من أجل أن تُصبح الأفضل، فيجب
عليك أن تكون مثل محمد صلاح، الذي أحدث زلزالًا كرويًّا في الدوري الإنجليزي بعد
تألق لا يُنسى في الدوري الإيطالي وقبل ذلك في تجربة احترافه الأولى في سويسرا.
«صلاح» الذي لا يشبع من الألقاب، أصبح خطرًا قائمًا على كافة
أبناء جيله من نجوم اللعبة حول العالم؛ إذ إنه يمتلك القدرة والإمكانات اللازمة لتغيير
خارطة الكبار في العالم، بعدما تمكن من كسر العديد من الأرقام القياسية في الأندية
التي لعب لها، ليتقدم الصفوف ويصبح التميمة التي تراهن عليها الجماهير في كل مكان
لتحقيق الطموحات والصعود إلى قمة المجد.
ومحمد صلاح واحدٌ من أسرار الحُبِّ المدهشة عند المصريين. ليس
مجرد لاعب موهوب أو مهاري من الطراز الأول، أو واحد من نجوم المشاهير، هو حالة
إنسانية فذة ونادرة الوجود، يختلط فيها الحُبُّ بموهبة ربانية جعلته أيقونة قلَّما
تتكرر.
أطلقوا عليه في بريطانيا اسم «الملك المصري»، واعتبره المصريون «سفير السعادة» وصانعها الأول. بنى صيته
خارج الحدود، وفق قواعد الاحتراف والمهنية والكفاءة والقدرة على المنافسة والإبداع
وتقديم مستويات عالية استحقت الاحتفاء الإنساني بها.
بالذكاء والانضباط، تخلَّص من لعنة المتفسخين.
إنه «مو»، أو «صلاح»، الذي يُلمِّعُ ضحكةَ عينيَّه،
ويتحدّث بصوتٍ خفيض أقرب إلى الخجل، حتى تكاد تسأل نفسك: كيف لهذا اللاعب الحيي أن
يصبح كرة لهب فوق العشب؟
ها هو ذا يطارد الكرة والأهداف عبر سطور هذا الكتاب، ويعدو –بالبهجة
البِكر للبراءة- فوق المستطيل الأخضر وسفوح التلال.
ملاكٌ أم جنيّ؟
ما همَّ، إن
كان صلاح في نهاية المطاف يجعل العالم في عيوننا أقلَّ بشاعة واللحظات أقلَّ ثقلًا؟
ما همَّ، إن كان هذا اللاعب الفذ يداعب الكرة ويمررها
بأناقة شاعر، ويسبق المنافسين، كأنّه يعبُرُ حديقة الزمن؟
صلاح ليس مجرد لاعب كرة، بل
هو نموذج ناجح خرج من بحر متلاطم من الفشل والجهل والتعصب، وصنع نفسه بنفسه؛ لذا
هناك كثيرون ممن يحبونه ببساطة لعجزهم أن يكونوا مثله أو يصيبوا جزءًا من نجاحه!
في زمننا هذا، أصبح صلاح
ابتسامة مصر الرسمية والشعبية.
لا مغالاة في مدح هذا اللاعب
والثناء على موهبته وإنسانيته وعطائه.
إن محمد صلاح، الذي يمتلك
ثقة في النفس وابتسامة بطل شطرنج يواجه مناورة جديدة، يستحق توثيق تجربته
وتحليلها، أملًا في أن يكون قدوةً لجيل كامل من لاعبي كرة القدم.
أتمنى لكم قراءة تجمع بين
الفائدة والمتعة.
-----
من مقدمة كتابي "مشوار الخلود: سيرة محمد صلاح"
ردود