قبل أن أخلعَ خاتمَ فبراير عن إصبع الأيام، أنشأتُ « قبل الطوفان » ، سحابة بيضاء تسبح في الفضاء. والكتابة لحنٌ يقتربُ ويبتعد، لكنه...
قبل أن أخلعَ خاتمَ فبراير عن إصبع الأيام، أنشأتُ «قبل الطوفان»، سحابة بيضاء تسبح في الفضاء.
والكتابة لحنٌ يقتربُ ويبتعد، لكنه لا ينام على رفٍّ خجول.
لم تطأ قدماي أرصفة العاطلين، ولم أكن أصلح للطريق. للحواة والنصابون دينٌ، ولي دين.
في الليل الجموح، وفي الوحدة الآسرة الرقيقة، اقترنت الحشودُ بالردى
الصموت.
الخوف ميدان عصيّ. هناك الكثير مما لا يمكن أن يُقال فيه.
لكنني أردتُ أن أختبر موسيقى الكون بنفسي.
ولأن الحقيقة يقتلها الصمت، فقد خضتُ معركة غير متكافئة مع عضة
البرد وصخور تكسر عُرى الفناجين.
الصخور حادة، لكنها لا تكسر الإرادة ولا تأكل المعاني.
هزمتُ ملل الاعتياد، ومكر الروح المستباحة، ورفضتُ عضوية نادي الراقصين
بأطرافٍ مستعارة، والمحاصرين بالخواء والانتظار.
ساقية عيني تدور، والعيون المغرمة تُعطِّرُ الهواء بنظرة شوق ولمسة
توق.
عرفتُ كثيرات، التهمت آخرهن روحي السابعة.
أحببتُ امرأتين، قالت لي أولاهن: أيها الملاكُ المُتعَب، حين
وقع ضوؤك على جسدي، سقطت ملامحي.
واعترفتْ لي الثانية بأني أجيد ترميم ظلالها المنسيّة، لكنها
كانت تتحدّثُ كثيرًا عن الفراق.
الكلام شِبَاكٌ قاتلة، ما كان يجب أن تستدعي أنياب الكلام!
حين تتقدُّمُ في العمر، تذبلُ زهرة الضجيج.
حين تشيخ، تكتشف أن كل ما تشتهيه لا قبضة له.
حين يتسللُ إليك اليأس، مثل شجرةٍ مليئة بأوراق ميِّتة، تخططُ لتعديل
الأنشوطة إلى المستوى المناسب!
بوجهٍ لا يترهل، مددتُ يدي إلى ضوءٍ أخير.
لا يتخلى القط عن نظرته الماكرة!
للتدوين عبيرٌ خاص وشهوة غامضة، مثل عين عاشقةٍ قديمة تمسُّ
الأحلام بحنوٍ، وتتركُ بقايا صوتها على قلب المدوِّن.
وفي الذكرى الثامنة عشرة لإنشاء المدونة، أحذف الأعوام وأستبقي
رغيف اللغة.
بترتيب خفي، أصدرتُ المزيد من المؤلفات التي تدعو إلى الفخر
وتزهو بتاجِ الانتظار.
من حبر المطابع، خرجت كتبٌ تشبه دمعة أثيرة وضحكةً صاخبة:
«صندوق العجائب: من الدراما إلى
المقالب والفوازير» (2023)، عن الفراغات التي نسي العالم
أن يحشوها، قبل أن يواسيها التليفزيون بخيالاتٍ لا تنام.
«سينما القلوب الوحيدة» (2024) عن
الأفلام المدهشة، التي بقيت في الذاكرة كوردةٍ
مخنوقةٍ بِعطرِها.
في «سلاطين النغم: من الموشحات إلى
الموسيقى التصويرية» (2024)، تكلَّمنا عن سماءٍ
ضاقت بنجومِها وموسيقى تلتهم قِطَعَ عُمُرِنا جافّة، وهي ترشّ عليها ضحكات مشاغبة.
وفي نهارٍ مُغمَضِ
العينينِ، كتبتُ عن «عصر
المدرجات» (2024)، واللاعب الذي يَشفي
غليلَ الأمنيات.
وثّقتُ فِتنة
الفجرِ الجَليِّ، وزورقَ المكان، وحطبَ الارتعاش والموتَ اللاهث خلفي كطفلٍ تائه، في
«دليل مصور للملائكة» (2024).
طاردتُ الأبدية في «كشوف الخالدين» (2024)،
وألقيت ضوءًا على منارة الأدب وإبداعاتٍ تشبه شمسًا
نسِيتْ ظلَّها.
«أفضل شركائي في الجريمة» (2024) عن
الرفاق الذين أضعتُهم في دروب الحنين، وقوافل الموت
التي سارت على طريقِ الحرير .
كتبتُ كثيرًا؛ لأقول للعمر «لا
تمض من دوني»، وللبوصلة «لا تُفلتي
الجهات»!
نكتبُ، إلى أن يعتذر عنا الموت، ويرثينا من مروا «قبل الطوفان» في لحظةٍ شفيفة، فوجدوا أسلاكًا شائكةِ
نَسينا عليها بقايا لحمِنا!
ردود