كل صمتٍ هو مشروع كلمة. والصمتُ الموَشى بالفصاحة، أرفعُ درجات البلاغة. تمرّ الأيام، و النوافذ تؤلف لي سيرة جديدة. تمضي الأسابيع، وا...
كل صمتٍ هو مشروع كلمة.
والصمتُ الموَشى بالفصاحة، أرفعُ درجات
البلاغة.
تمرّ الأيام، والنوافذ تؤلف لي سيرة
جديدة.
تمضي الأسابيع، والشوارع القديمة لا
تحدسُ رائحتي.
تتوالى الشهور، والأعوام قبطانٌ يقلد
السفن في الغياب.
فلأعد، إذن، إلى الكتابة، السنبلة التي
تتمرأى في وجه الحقل.
هي النجاة من الطوفان، والدموع التي تنقذنا من الحزن والعطش.
ولأن لي ألف فمٍ بريء، ألتقطُ ورقةً تشبه
شجرةً وأكتب.
والكتابة لها رونقها، مثل ممارسة الحُبّ
الأولى واستكشاف آذاننا الموسيقيّة بأغنية أولى.
بملامح تنطق دفئًا، أنخرط في لعبة
المرايا، التي تحاول تمويه الصورة والاختفاء وراء صوتها الغامض.
كل مساء، أدرِّبُ نفسي على القسوة، حتى لا يهزمني الحنان؛ حتى لا يقتلني الحنين.
النهارات
تتقد بحُبِّ الحياة، والمساءات تضيء بضمةٍ حانية، لكنني أحس بالافتقار إلى شيء ما، لعله الفضول، الذي هو نبعُ الفلسفة.
أقف ككل الغرباء، أرقبُ الزمن الشره الذي يلتهمنا، قبل أن يغادر
بظله الكبير في الممر الطويل.
أتشبّه بالبحارة؛ إذ يحوّلون معاصمهم إلى أشرعة، وأصير مثل المزارعين، الذي يغرسون في الحقول بذور طاقةٍ خاصةٍ بهم
أقول لنفسي: لا مزيد من المراثي اليوم.. لكنني مخلوقٌ من النسيان وثرثرة الزحام
في الذكرى السابعة عشرة لإنشاء مدونة
«قبل الطوفان»، أواجه الريحَ التي تهبُّ بالسؤال، حتى تتشظى الأجوبة.
هكذا أغني، أنا الموّله بالأشياء الخلابة التي لا تتكرر، وأترنم بالبراءة الأولى المفقودة، وأردد شطحاتٍ صوفية لا تخلو من اشتهاء.
من رحيق المطابع، خرجت مؤلفاتٌ جديدة
تشبه الطعنات الناعمة. ذلك أنها تُحْدِثُ جروحًا تكوي، لكنها لا تنزف.
الأفكار مؤلمة، لكنها سبيل التعافي بالمعرفة.
بعض هذه المؤلفات تسكب وعودَ الحُبّ.
بعضها الآخر خفقةٌ من زمن الفراق.
شيءٌ من هذه الأعمال عن التاريخ الذي
يلخص الزمن. قسمٌ آخر يعدُ محاولةً لسد الفجوات الهائلة في جدار الحياة.
في لحظات الحرية البراقة، كتبنا عن «مشوار الخلود: سيرة محمد صلاح» (2023)، و«جنرالات كرة
القدم: من مارادونا إلى هالاند» (2023).
وفي سياق اكتشاف أرضٍ غير مأهولة، استعرضنا
تفاصيل مثيرة للإعجاب والتأمل في «مصر المدهشة» (2023)، وأصدرنا «تاريخ الغناء الشعبي: من الموال إلى الراب» (2023)، و«تاريخ
اليهود في مصر والعالم العربي: سنوات الظل والغموض» (2023).
ولأننا لا نريد أن نُحتجز في أحلامنا الضيقة وأفكارنا المستعملة، أبدعنا «سيرة الغبار» (2023)، وتركنا خلفنا «10 قبلات منسيّة» (2023)، مثل نسمة تقطع عطرنا المفضل.
في نهاية المطاف، أنا راضٍ عن اندفاعي، عن حماقاتي، عن استعارتي التي لا تتفادى الرصاص.
أؤمن بأنه في زمن
الحرائق، لن يكون هناك إطفاء بغير سرد الحقائق؛ لأن تجاهلها لن يكون جزءًا من الحل
بل سيسعر نيران المشكلة.
أحمد الله على نعمة
العقل وفضيلة الكرامة، ففي مواسم الذل، قد يكون الكرم أداةً لشراء الكرامة.
أحمل مظلة العمر، غير عابئ بمطر الأزمنة
المتغيّرة، فالأمل كناية عن تخطي اليأس.
تبني الرواية نفسها داخلي
بإصرار، وتكتب نفسها بنفسها، مثل أغنية
يصدِّعها الوقت.
ربما لا أعرف كُنه الفصل الأخير، لكن الرضا
بالعطاء «قبل الطوفان»،
مكافأةٌ تستحق الانتظار.
ردود