النصوصُ قرابين، وطريقٌ تصنعُه البوصلة. واللغة غرام. حُبٌّ في الجذور يعانق الغصون . وهي لا تعطي أسرارَها إلا لعشاقها المخلصين. رحمٌ رحيم...
النصوصُ قرابين، وطريقٌ تصنعُه البوصلة.
واللغة غرام. حُبٌّ في الجذور يعانق الغصون. وهي لا تعطي أسرارَها إلا لعشاقها المخلصين.
رحمٌ رحيم، نلوذ به، لندرك سرَّ التكوين. كما طائر يتوحدُ بالنافذة، نلتصق باللغة،
ربما لأنها تفتننا بمذاقٍ مثل أقداح العسل، أو لأنها بارعةٌ في جلب الخدر إلى
قلوبنا ومخادعنا.
اللُّغةُ هي بطلةُ النَّصِّ الأَدبيِّ وضحيته في آنٍ معـًا.
أما الكتابة فهي أشبه بالتقاط «سيلفي» مع الحياة. يدٌ تُشكِّلُ
من راحتها كأسـًا، يشربُ منها العطاشى وترتوي منها الأجسامُ القاحلة.
وهذا الكتاب يومياتٌ لم تكتمل. ذكرياتٌ عن الجنة التي أضعتُها، والحنين الذي يهيمن، والندم الذي
يستيقظ، والحقائق التي تترنَّح.
هذه الكتابةُ المكثفة، المزهوة بنفسها، نزيفٌ مُضنٍ للذاكرة
وأشواقٌ تتحدث عن نفسها بعيدًا عن الأقوال المكررة والمُخطّطاتِ المُجهَدَةِ. في
بئر وحدتها، تورقُ بالتخيّل، وتحقن اللغة بالجنون، كما لو أنها حُبٌّ يابس أو حزنٌ
متأخر. إنها لحظة إيثار عظيمة، فأنت تمنح، لمن يريد أن يكتشف جزءًا من ذاتك. البعض
سيحبّها والبعض الآخر لن يحبّها، لكنك في النهاية تمنحها لغيرك مغلفةً بورق
الهدايا وأبجدية نبعتْ من روحِك الحائرة.
هذه الأبجدية هي الحياة بدفئها، مثل التقاء فمين على الدرج
الأخير للسُلّم، بيدَ أنك أنتَ رمزُها، ومُجسِّدُها على هذه الأرض الخادعة مثل
شعاعٍ حائر. إنها طفلٌ باسم، كلما هبط الليل أطفأت عليه مصباح المعنى وفردت عليه
غطاء الدلالة. وهي وسيلةٌ فعالة في إسقاط قناع العالم.
بجرأةٍ نادرة، تُفنِّدُ الأكاذيب والنبوءات المزيفة والأوهام اللامعة، وتجرفُ
الخرائط والتخوم، وتحملُ النارَ بعيدًا عن الغابة.
الحرف الذي شَقَّقَ مَرمَر عينَيّك، يطلقُ سراحَ الدموع الصلبة
في عيون الرجال ويُفرجُ عن سلسلةٍ طويلة من الصرخاتِ الحبيسة. فإن تمرد عليك أو
أهملته، نظر إليك كطفلٍ مخطئٍ ينتظر عقابه.
تستعينُ سطور هذا الكتاب بأدب الشذرة أو الإشراق المعرفي،
وتمارسُ تلك الانتقالات السريعة بين الحدس والأسرار العميقة والفكرة اللامعة.
بنصوصٍ تتأرجح بين الواقعية والتخييل، تتخذ الكتاباتُ هنا شكلَ الحكاية، أو
الأمثولة القصيرة، أو اليوميات، أو التأمل الأنثروبولوجي للبشر وسلوكياتهم، أو
التأريخ الثقافي للمجتمعات.
وأدب الشذرة، على جماله وثرائه، مُنعطفٌ غير مُستخدم، وبابٌ
يقاسي من عُزلتِهِ المِفصلِيَّة. فهو أدبٌ مشدُودٌ كوترٍ، وفنٌ لا تُفكُّ له رموز،
يراودُ ذاكِرةً مخدُوشةً وينادي أسرارَك القصوى، ويتنزه في حديقة الظن وهو
يُؤسِّسُ للغناء.
والكتابة عندي حياةٌ شاقة مسّتها الحظوظ الوافرة.
إنها كأسٌ فاضت بدهشة ملونة، وحروفٌ تفتحُ في الفؤاد شرفة.
تمسحُ على مواجع القلوب، وتُربِّتُ على كتف المنهكين بخوفهم، وتؤرخ للحظة الندم
المناوش والنشوة التي تهز الضلوع، في رحلةٍ لا تنتهي إلا لكي تبدأ من جديد. وأنت
حين تكتب أدب الشذرة تكون كمن خرج من الحلم إلى الوعي فجأة، فتجتاز ذلك الخط
الفاصل والفراغ الهش بين الحقيقة والخيال.
هذه النصوص التي تسري في أوردة الحكايات، تجمعُ بتلقائيةٍ شديدة
بين السعادات العابرة والكوابيس المقيمة. تُخبئ الأمكنة في رئتيّ، وتقتفي المعنى
كما يقتفي بابلو نيرودا أثر أرجُل النوارس على رمال جزيرته السوداء. تبحث عن
أشباهها لدى جلال الدين الرومي في «المثنوي»، و«ابن الجوزي» في «صيد الخاطر»،
وعبدالجبار النفَّري في «المواقف» و«المخاطبات»، وإدواردو غاليانو، وفرناندو بيسوا
وإميل سيوران.
بين السطور مُتعٌ عابرة وسيرةٌ من الحَسَرَات. مباهج الأيام
الخفيفة ومعارك طاحنة، تقول بعدها: لقد هاجمني الجمال!
وفي كل الأحوال، هي آهةٌ خنقتها الغيوم، ومخطوطةٌ مكتوبةٌ بمداد
الشجن، وحكاياتٌ تدورُ بإزميلها القديم، إلى أن تقع تحت سنابك الأسى مثل عُلبة
رماد. لا توجد خلطة سريةٌ للنسيان. لحُسن الحظ،
يمكننا أن نعوِّضَ ألم التذكر بالكتابة، الحَبل السري الأول للإنسان.
نكتبُ عن مواعيد ضربناها مع غرباء، ورسائل تدغدغ أنامل الوداع،
ومدنٍ نخترع أسماءها، وطُرقٍ بسط فوقها كوكب الليل ذراعيه، وأيامٍ ترتدي حزنها
الطويل. بالحروف التي نُقدِّسُ تعرجاتها، كتبنا عن الشجرة التي تميلُ على نهر
الخلود، والضحك المكتوم في سيارة العائلة، والطرق البيضاء كالطباشير، وقشعريرة
النجوم القديمة.
قبل الصعود إلى السطر، نُبدِّدُ ضبابَ العبارة، مؤمنين بأن
لمعان الصور في تدفقها، وأن البلاغة الحميمة هديةٌ واعدة ضدّ مجرى النّسيان.
«المخطوطات لا تحترق»، هكذا قال الشيطان، في رواية الكاتب
الروسي ميخائيل بولغاكوف «المعلم ومارغريتا». هذا صحيحٌ إلى حدٍ كبير، فالكتابة
أقوى علامات الخلود. إنها دليل البعث الأول وإرث الجمال الأخير.
هنا، تتعلّم بندقية الصيدِ لغةَ اليمام، ونُجرِّبُ -على تخوم
أسطورةٍ ممزقة- كل ما يختطفُ بصيرتنا، من انهمار الأجساد على الأجساد، وبوح
الأغاني التي تهُزُّ الأطفالَ في أسِرَّتِهِم، ولهاث الشمس بلسانٍ محترق.
هذه التجارب تُرتِّبُ شكلَ العالم؛ إذ تمحو الضلالات وتمسحُ
الدمعة النائمة في المحاجر، وتُقوِّم لثغة العتمة، وتقاوم انفصال ساعة الحائط عن
التقويم. بأصابع تملأ النهر بالمراكب، وطابعةٍ تكتم ضحكتها كلما طالعتْ ما أدوّنه،
قلتُ للأمل: «سنفتح الأبواب معـًا، فقط لا تُخبِرْ أحدًا».
كتبتُ هذه النصوص على امتداد ثلاث سنواتٍ، كما لو أني بحَّارٌ
يُحدِّثُ نفسه، وهو يراقبُ من سطح سفينةٍ أفراد طاقمها الباحثين عن مغامرة. بروح
المجازفة، أكتبُ، مُدركًا أنك قد تقضي عمرك في البحر، فلا تعترضك المخاطر إلا
عندما ترسو على البحر!
وأنتَ حين تكتبُ، كأنك ذاهبٌ لتلوين قطعةٍ من السماء؛ لأنّ
العالمَ معينٌ لا ينضب من الإيحاءات. وفي ختام المغامرة تضع توقيعك تحت عنوانٍ
ساحر: شهادة رحلتي!
أتمنى لكم قراءة تجمع بين الفائدة والمتعة.
-----------
( مقدمة كتابي: طقوس الجنون، منشورات إبييدي، 2021)
لكل من يستفسر عن الكتاب، أماكن توزيعه
في المكتبات التالية، مع تمنياتي بقراءة ممتعة :
**مدينة القاهرة***
* مكتبات ديوان:
- فرع الزمالك: 159 شارع يوليو.
- فرع مصر الجديدة: 105 شارع أبو بكر الصديق
ميدان سفير.
- فرع المعادي: 1 شارع 254 تقاطع شارع 213 دجلة
بجوار مطعم كايرو كيتشن.
______________
* مكتبة تنمية:
- بجوار وكالة الأنباء الشرق الأوسط - وسط البلد.
- فرع المعادي
____________
*مكتبة البلد
- شارع محمد محمود وسط البلد
_________
*مكتـبات الشـروق
فرع طلعت حرب
فرع داندي مول
فرع المهندسين
فرع سيتي ستارز
فرع أمريكانا بلازا
فرع مول مصر
فرع فيستيفال سيتي
_____________
*مكتبة فكرة:
- بمول سيتي ستار - مدينة نصر
___________
*مكتبة ليلي:
- بمنطقة وسط البلد.
_______________
*مكتبة آفاق
- بمنطقة وسط البلد.
_____________
*إبـيـيـدي
الشيخ زايد - الحي
الأول بالمجاورة الرابعة
_______________
مكتبة الدار المصرية
اللبنانية
- منطقة الزمالك: مبنى ايكونيا، 16 شارع محمد ثاقب
أمام كنيسة المرعشلي
___________
*مكتبة إبداع:
-منطقة وسط البلد
——————————————————
مكتبة مبتدأ
-منطقة وسط البلد
—————————————————
مكتبة أديب
منطقة عباس العقاد-
مدينة نصر
_____________________________
- مكتبة ميكرفون
فيلا إبداع بمنطقة
الدقي
**** مديـــــنة الإســــــــــكندرية ****
* مكتبة عصير الكتب:
- شارع إسماعيل سري خلف مدارس سيدي جابر بنين.
___________
*حورس بوك ستور:
- 47 شارع مصطفي كامل - بولكلي بجوار كلية تربية بنات
____________
* مكتبة بيت الكتب:
-شارع زهران رشدي - جليم من طريق الحرية
*****مديــــــــــــــــنة المــــنصـــورة ****
* مكتبة عصير الكتب:
- شارع الترعة بجوار مطعم أهل الشام
*مكتبة ميكرفون:
- جليم: ٥٧٤ ش أبو قير ، بجوار سنترال جليم، أمامEG Bank
****** مديــــــــــــــنة الزقازيـــق ****
* مكتبة عصير الكتب:
- شارع طلبه عويضة بجوار مطعم نور الشام وأمام
مطعم الأصيل.
****مديــــــــــــــنة الأقصر*****
- مكتبة العبودي
**منافذ البيع أونلاين:
- منصة
BookBuz
-منصة
iread
- منصة أسفار
- منصة منشورات إبييدي
** يمكنكم الشراء من متجر منشورات إبييدي من خلال
التواصل معنا عبر الهاتف: 01099666653
ردود