في عام الجائحة، كتبتُ أكثر مما نشرت. هذه الكتابة السريّة، أملٌ يتغلغل في النفس، وبطءٌ يقترب من الجذور. حتى لا تطغى العاطفة على العقل، ...
في عام الجائحة، كتبتُ أكثر مما نشرت.
هذه الكتابة السريّة، أملٌ يتغلغل في
النفس، وبطءٌ يقترب من الجذور.
حتى لا تطغى العاطفة على العقل، جعلنا
النصوص تتنفس حُبًّا أو حرية.
ذلك أن الكتابة إما عبادةٌ أو احتجاج،
في زمنٍ كثر فيه الأنصاف.. وقل الإنصاف.
ولأن الكآبة جُرحٌ تخَّفى وراء
الكتابة، لم يرعبني سوى بياض الصفحة في انتظار الحكاية.
تلوحُ لي الصورُ القديمة والاستعارات
الجديدة، فأجاهدُ لفتحِ الأبواب الموصدة.
مع كل حرفٍ يضيء الحلم أكثر، ويلتمع
فجرٌ جديد، وتنقر الأفكار على أزرار قلبي.
أتقدّمُ بخطاي الثقيلة.. وأنا أحمل
خطيئتي الأولى. والوقتُ مصاصُ دماء، يكاد يشم رائحة الدم في عروق ضحاياه.
بفن البصيرة، تنمو لؤلؤة المراد.
في عام «كوفيد- 19»، وأيامٍ لديها
هِزَّة الصدَى، بكى شعاع الشمس على إكراهات الفراق، مخترقـًا حُجُب الغيوم.
اختطفَ منا الموتُ رفاقـًا وأحبةً،
وأهدانا شواهد قبور تأنفُ من رخامها العصافير.
في أيام العزاء سارت الأيام مشحونة
بالبكاء. وعندما تتراكم الدموع تصبح وحشـًا دميم التفاصيل.
الحزنُ ندبة في الروح، والخوفُ قاطعُ
طريق يخشاه القلبُ الجريح.
وبرغم شرود الذِّهن الطَّريِّ، فإن
الزمنَ احتفظَ بنَظْـرَتِه مُتَـأجِـجـة ومتأهبة للانتقـام.
تمشطُ الأيامُ النحلَ المتجمع في
شَعرِها، ثم تمنحك الوصية الخالدة: عليك بالاستماع اليقظ، إلى كلمات الآخرين.
فلننخرط في الزحام، ولنبقَ بعيون
مفتوحة في الظلام.
قَدَرُنا أن نطوي آخر الصفحات على
هيبةٍ ووقار، لا أن نختار الردح والتجريح، فالسقوط القاسي لا يليق بالكبار.
في الذكرى الخامسة عشرة لإنشاء مدونة
«قبل الطوفان»، نستعيد ذاكرة الإنجازات.
من رحيق المطابع، صدر لنا «صراع تحت
القبة» (2020)، و«حكمة السيقان» (2020)، و«مقامات الروح: دليل إلى الأغنية
العربية» (2021).
وباللغة الإنجليزية، شاركنا بفصلٍ في
كتابٍ مهم يحمل عبق التاريخ، بعنوان «الثورات: كيف غيّرت التاريخ وما الذي تعنيه
اليوم».
في «قبل الطوفان» واجهنا من صار عبثهم
فُجورًا. بكلماتٍ واضحة وآراء لا لبس فيها، فضحنا ذهنيات العجز، التي لا تمتلك
موهبة التفكير خارج الإطار.
حذفنا بحزم من لا نجدهم بعد غياب سلطة
أو مال أو أضواء أو نفوذ أو منفعة كانت قبل ذلك في أيدينا، ينكرون فضلنا ويزهدون
في ذكرنا وتجف أمواج ودادهم وتنقطع حبال وصالهم، وتنزوي المحبة التي كثيرًا ما
أخبرونا عنها ليحل مكانها جفاء وقطيعة.
نعرف مسبقـًا أن «جوقة» المدافعين عن
الضلالات ستعزف لحن الشتائم قبل الوصول إلى آخر كلمة في هذا النص، فـ«رموز» هذا
الزمن بالنسبة إلى البعض كامرأة القيصر، فوق الشبهات.
لم نتباطأ بدعوى التروي، موقنين أننا
سنمتلك الكثير من وقت الفراغ في شيخوختنا لنحصي الذكريات والحكايات الجميلة التي
أفلتت منا إلى الأبد، ونتحسر على طيشنا وعنادنا وترددنا الذي هزمنا بسهولةٍ تبعث
على الشفقة.
نجددُ العهد، بأن تبقى الأنامل قيثارة
تؤنسُ وحشة الليل، وأن يصمد العقل، حتى يؤوب الموتى من نومتهم الطويلة، وأن نحتال
على السيوف لكي نثأر يومًا من كل هذا الغثاء!
ردود