بيتٌ وديع بلا خصوصية

بقلبٍ مُجهد، وجسدٍ حائِر ثائر، أهشّ العدمَ الوشيك، وأمضي في رحابِ دروب الإبداع وضروبه. الجسارة هي ما أخفيه تحت هذا القميص....







بقلبٍ مُجهد، وجسدٍ حائِر ثائر، أهشّ العدمَ الوشيك، وأمضي في رحابِ دروب الإبداع وضروبه.
الجسارة هي ما أخفيه تحت هذا القميص.
مثل قائدٍ أسبرطي عائد من القرن العاشر قبل الميلاد ليحرس سور المدينة، فإن حدود الجمر هي علامات النور.
أقتلُ الوقتَ بالوقت، وأُفهرِسُ عناوينَ قصائدي على ساعدي، مثل وشمٍ غامض. قد أعتذر عن غياباتٍ طالت أحيانـًا، لكنني كنت أعود باستمرار لاستئناف المسير ووصل ما انقطع.
ثمة مساحة غائمة بين الكتابة والانقطاع، يصحُ أن نسميها: التأمل.
إلا أنني تشبثتُ دومـًا بمدونتي «قبل الطوفان»؛ لأنها صارت جزءًا من هويتي وتاريخي الشخصي.
أعرفُ أن المدونة الإلكترونية بيتٌ وديع بلا خصوصية، لكنه البيت عندي. كلما دخلتُ غرفته الرئيسية، بكل تلك الأزهار المطبوعة على ورق الحائط، نهض الغبار  ووقف على قدمين. غير أن شرفته تجلو صدأ حزنٍ قديم وتعدني بأن تكتمل النبتة الخضراء بالبراعم.
الكتابة عندي حياة، وليست الزرّ الناقص دومـًا في القميص. تخلقُ الكتابة العالم، وترسم لوحة لا تزحمها الطبيعة في تفصيل، أضفى مونيه عليها الدفء، وأطلق عليها سلفادور دالي ألوانه الممسوسة في كل اتجاه.
أسوأ كوابيسي هي الورق المبعثر في الساحات، والكتب المحروقة خلف السياج. أما القلم فهو الرُّمْح اللامع لمحاربٍ أرادَ فاستجابَ له القدر.
في الذكرى الرابعة عشرة لإنشاء مدونة «قبل الطوفان»، وفي حاضر يشبه الماضي، أمشي حاملًا على كتفيَّ مكتبةً وملائكة ومواعيد مؤجلة.
أكتبُ، كي أعمر الأرض، وترفع زهرة الياسمين عنقها في البستان السخيَ، وتتخلى القصيدة عن بعض حيائها فتذكر أسماء حبيباتنا ولو ضمنـًا في شطر خفيَ بلله ريق الهوى
أكتب، كي يتخلل النور الألواح الخشبية في نوافذ متآكلة، وتبتسم شوارع جانبية تتلكؤ ليلًا، حتى يخترقها عشاقٌ سريون يجيدون اختلاس القُبل.
المجد ضيقٌ/ فسيح، لكن المريد يحصد بمِنْجَلٍ من كلامٍ، حقول السحر التي تكفي وتزيد.
لا شيء يَمْنَعُ الآلات الموسيقية من العزف.
أجمع غَلَّةَ المدينَةِ مِنْ عيون أبنائها، وأطْرُدُ الأَشْباحَ من البيت، كي أرى الحياة بعينٍ متفهمة، وأهتف مع الجموع:
نحن محكومون بالأمل.
من رحيق المطابع، تذوقنا طبعة منقحة ومزيدة من كل من «قصة الثروة في مصر» (دار ميريت، 2020)، و«شهقة اليائسين» (دار اكتب، 2020)، و«حروب كرة القدم» و«دولة الألتراس» (دار اكتب، 2019).
عن سحر الشاشة وأسرارها، أصدرنا «عشاق وشياطين: التاريخ الممنوع للسينما» (دار اكتب، 2019).
في عالم النقد الأدبي، أصدرنا «الحرب في منزل طه حسين» (دار زين، 2019). يعيد الكتاب قراءة نصوص إبداعية مختلفة، ويزور التاريخ والجغرافيا، كما هي الحال في الفصل الخاص بأجانب الإسكندرية، ويطلق سراح النصوص والمساجلات الأدبية المعتقة، التي تتسم ببراعة السرد وبذخ الخيال، ويعيد قراءة روايات عن البصيرة والروح والحساسية تجاه العالم، ويفتح ملفات فكرية وثقافية تختفي فيها حواجز اللغة والزمان والمكان، وينهل من المعرفة ما استطعنا، لتكتمل فكرة النقد مع الإبداع، وتتكامل أسئلة الحاضر مع استقراء صفحات الماضي، في تطوافٍ لا يخلو من التذوق والتأمل والتفكُّر.
غير أن ثمار الأدب التي قطفناها كانت الأبرز خلال عامٍ مضى. ولأن الأدب رئة نتنفس منها هواء الخيال، فقد صدر لنا «الرومانسيون» (دار زين، 2020)، التي تعد تجربة فريدة ذات طابع رومانسي أنيق وبلغةٍ تلامس تخوم الشعر تستنطق أشهر الثنائيات في الفن والحياة، من عمر الشريف وفاتن حمامة، إلى رشدي أباظة وسامية جمال، ونور الشريف وبوسي، وأنور وجدي وليلى مراد.. إلخ.
«الرومانسيون» هو كتابٌ عن الذين ملأوا فراديسنا بجاذبية سرية وهم يُلمِّعون أساطيرهم فوق أطلال حياتهم المهدمة، أصبحوا الآن بين أيديكم في ملتقى ندامى الغياب.
من حكايات هؤلاء، نطرقُ باب الإلهام العظيم، وندرك معنى السعادة التي لا يمكن تجنبُها، والنظرات التي تحبلُ بالبكاء، والعلاقات التي ترغمك على مضاعفة التطهر، ونفهم أكثر تعقيدات المواقف والمصائر والحكايات التي تعتمل في الصدور، ونقتنع بأنه في هذا الوجود شيء اسمه سلطة الإنسان المتلاشية، أمام أحداث وأقدار تتجاوزه بمراحل.
في عام الشعر، أطلقنا «عادات الحُبِّ السيئة» (دار اكتب، 2020)، و«خدوش إضافية» (دار زين، 2019)، و«إثم قديم»، و«ولع»، و«سعال وطني» (دار الأدهم، 2019).
مازال هناك نورٌ نهائي غامر، قبل أن تنطفئ كل الأضواء.


ردود

Name

إعلام,20,الحكواتي,234,المحروسة,299,بشر,139,رياضة,105,سينما,11,مؤلفات ياسر ثابت,90,مروج الذهب,164,مساخر,51,وطني الأكبر,27,
ltr
item
قبل الطوفان: بيتٌ وديع بلا خصوصية
بيتٌ وديع بلا خصوصية
https://blogger.googleusercontent.com/img/b/R29vZ2xl/AVvXsEhuydDOrWkMhGcyurC-x9lfMoy-ZrXJJc0KTy0Z5ON-vO2gbvASa3kcdJZpQ4cnjshB8TJD2OCcnU6bA1OyEw6hOmuNfjW6ZLBqdxX9XDdGkQCU_8c4UF8xA9ThKwVZPfXK25Xsw35KvC4D/s640/typing.jpg
https://blogger.googleusercontent.com/img/b/R29vZ2xl/AVvXsEhuydDOrWkMhGcyurC-x9lfMoy-ZrXJJc0KTy0Z5ON-vO2gbvASa3kcdJZpQ4cnjshB8TJD2OCcnU6bA1OyEw6hOmuNfjW6ZLBqdxX9XDdGkQCU_8c4UF8xA9ThKwVZPfXK25Xsw35KvC4D/s72-c/typing.jpg
قبل الطوفان
https://yasser-best.blogspot.com/2020/02/blog-post.html
https://yasser-best.blogspot.com/
https://yasser-best.blogspot.com/
https://yasser-best.blogspot.com/2020/02/blog-post.html
true
5099734155506698511
UTF-8
تحميل كل الموضوعات ليس هناك أي موضوع مشاهدة الكل تابع القراءة تعليق مسح التعليق حذف الناشر الرئيسية الصفحات الموضوعات مشاهدة الكل اقرأ أيضا قسم أرشيف ابحث كل الموضوعات لم يتم إيجاد موضوع يطابق بحثك عودة إلى الرئيسية الأحد الاثنين الثلاثاء الأربعاء الخميس الجمعة السبت الأحد الإثنين الثلاثاء الأربعاء الخميس الجمعة السبت جانفي فيفري مارس أفريل ماي جوان جويلية أوت سبتمبر أكتوبر نوفمبر ديسمبر جانفي فيفري مارس أفريل ماي جوان جويلية أوت سبتمبر أكتوبر نوفمبر ديسمبر اللحظة قبل دقيقة $$1$$ قبل دقيقة قبل ساعة $$1$$ قبل ساعة أمس $$1$$ قبل يوم $$1$$ قبل أسبوع قبل أكثر من 5 أسابيع متابعون تابع محتوى مشروط اضغط لفك التشفير انسخ الكود ظلّل الكود تم نسخ الكود في الكيوبرد لم يتم نسخ الكود/ النص, اضغط [CTRL]+[C] (or CMD+C with Mac) للنسخ