هؤلاء العشاق، هم آنية الضوء الأخيرة في هذا الكون. نساءٌ يستحمُ الماء بأجسادهن، ورجالٌ لا تهدأ أشواقهم. وفي حديقة الأخطا...
هؤلاء العشاق، هم آنية الضوء الأخيرة في هذا الكون.
نساءٌ يستحمُ الماء بأجسادهن، ورجالٌ لا تهدأ أشواقهم.
وفي حديقة الأخطاء، كل شيء وارد.
نحن مدينون بالكثير لهذا الغرام اللحظي منه والأبدي،
وتلك العلاقات الناعمة التي عاشت طويلًا أو تكسّرت سريعـًا فوق مرايا الماء
المشروخة. علاقاتٌ تحطمت كما يتحطم هاتفٌ ذكي على وجه الأسفلت، أو صارت عنوانـًا باذخـًا
لفضيحة.
هناك
دومـًا أشياء تلمعُ أكثر عند انكسارها.
الذين ملأوا
فراديسنا بجاذبية سرية وهم يُلمِّعون أساطيرهم فوق أطلال حياتهم المهدمة، أصبحوا
الآن بين أيديكم في ملتقى ندامى الغياب.
يمارس
الرومانسيون هنا، بأريحيةٍ تامة،
الشوق، والشغف، والصمت، والأنين، والغياب، والنسيان، والموت، والصبر. وكلها مفاهيم
متحررة من القيود وسُعار الفهم والافتراضات، فالنسيان تذكرٌ بلا ذكرى، والصمتُ
صرخةٌ لا صوت لها، والغياب موتٌ إضافي أو بديل. أما الوجع فهو شيخ الكتابة الذي
تنامُ قطةُ الحيرة على رُكبتيه.
من
حكايات هؤلاء، نطرقُ باب الإلهام العظيم، وندرك معنى السعادة التي لا يمكن تجنبُها،
والنظرات التي تحبلُ بالبكاء، والعلاقات التي ترغمك على مضاعفة التطهر، ونفهم أكثر
تعقيدات المواقف والمصائر والحكايات التي تعتمل في الصدور، ونقتنع بأنه في هذا
الوجود شيء اسمه سلطة الإنسان المتلاشية، أمام أحداث وأقدار تتجاوزه بمراحل.
كل شيء تعلمناه، كل شيء جميل فعلناه، مدينٌ لهذه
العلاقات الدافئة وإخفاقاتها الرائعة!
إننا مدينون أيضـًا لفائض الحُبِّ الذي تجاوز إطار شاشة
السينما أو خشبة المسرح وصندوق التليفزيون، ونام في قلوبنا وعلى جدران غرفنا
لسنواتٍ نسينا إحصاءها.
قراءة هذه الحكايات بقلبٍ خافق، سيكشف لنا أن الوجود
حيرة، وأنه لا طمأنينة في الحُبِّ، ذلك أنه مع العذوبة قد ينزُّ القلق وينزف
الليل.
إن الغرام أسدٌ جائع، قد نُطعمه حتى لحمنا النيئ، ليبقى
حاضرًا ومتقدًا، حتى آخر ذَرَّة كِبرياء.
وفي الغرام، الصبر مفتاح الصدأ. ولولا أن شرارة الحُبِّ
صنعتْ ما صنعتْ بين رجلٍ وامرأة، ما أصبحت بكل هذا الاكتمال الساحر الوشيك.
وكما نعشق، قد يلتهمُ الخُطى نملُ الطريق. نركلُ كرة
الألم أمامنا حتى تصطدم بحاجز أو جدار.
من ريش الحكايات تنبتُ للطيور الفضية أجنحة، كما لو أن التحليق
متصلٌ بالغياب القصيّ.
حينَ يصفعُ جبلٌ خفيّ خشبَ السُفن، ينسى القبطانُ الأملَ
في قمرة القيادة، وينسفُ طريق العودة. وهو لا يهتم بوقف نزف شريانه المبتور، بقدر
ما يرتق الجرح ليصنع منه قوارب نجاة.
أما السفينة التي تتكسر أسنانها، فحزنها الأكبر مبعثه أنها
لن تستطيع الابتسامَ للواقفين على المرافئ. وحدهم الركاب الضحايا يثملون من المشهد
ويفركون عيونهم ليتأكدوا من هول الكوابيس التي تنتظر.
هذه الكتابة تهيئ المرايا لاستعادة الوجوه، وتمسحُ الوحشة عن الذاكرة.
ثمة نَفَسٌ
شعري مديد في هذا الكتاب، يُكثِّفُ الوصف الجمالي للمشاهد والحوارات المختارة، عبر
شحنها بصورٍ واستعاراتٍ شعرية متلاحقة. ذلك أنه في عُريها المُكْتَمِل، تمنحنا
القصائد الحميدة رؤية أعمق متملصة من كل تحديدٍ مطمئن، لتلك الحيوات التي عاشت
الغرام حدَ السقوط في الهاوية. أما الصور فلها قيمةٌ تتجاوز الذكريات. يجسدُ المرئي
خطابـًا أكثر عمقـًا مما يتخيله البعض.
ولقد اخترنا هنا أدب الشذرة أو الخاطرة، بما ينطوي عليه
من تركيب لغوي، ومن غموضٍ وعتمة، ومن مسارب مفتوحة على تعدد التأويل. أنت هنا أمام
موهبة الكاتب العارية من أي ادعاءات زائفة.
لم نلتزم في هذه النصوص بتفاصيل الواقع، بل أضفنا
وحذفنا، كما تخَّلصنا من تعاقبية الزمن الحكائي، لتتشابك وتتداخل أزمنة الاستذكار
(الماضي)، والاستشراف (المستقبل)، والكتابة (الحاضر). إنه زمن تداعيات الذاكرة،
والأصوات المتناوبة على السرد، ومحاكاة الحكمة.
نحاول هنا استخدام لغةٍ جديدة، وقوالب شكلية مبتكرة،
ووسائط أسلوبية مبتدعة. إنها فكرة التجريب السحرية، التي تجترح تقنيات مختلفة في
السرد والوصف، وطرائق جديدة في التخييل. المهم هو أن ينجذب القارئ إلى الحكاية
والتحليل النفسي للشخصيات، ويستهويه الأسلوب وجماليات السرد ودلالات الألفاظ.
في هذا الجنس الأدبي، الذي يشغل موقعـًا بين القصة القصيرة
والشعر الحُر، يُطوِّرُ الكاتبُ أساليب خاصة تُمكِّن القارئ من تجربة أن يكون
شخصـًا آخر. أنت هنا قادرٌ على خوض تجربة عيش حياة آخرين وصراعاتهم مع الذات
والأهواء والألم.
ولعلني أجدُ نفسي متفقـًا مع الأديبة الفرنسية ناتالي
ساروت، التي تعتقد أن القارئ يجب عليه أن يتعرَّف، في ما يقرأ، إلى عالم ليس
عالمه، لكنه يرغب في أن يكون عالمه.
الشاهد أنه في الكتابة عن الغرام، تخضع العلاقة لمقتضيات
اللغة وأسرارها، ولما تتطلبه هذه المقتضيات من تحولات. تتبدى بعض هذه التحولات،
التي تطرأ على العلاقة الرومانسية بين اثنين، عندما يُعاد صوغها وفق الجنس الكتابي
الذي به يتمٌّ استحضارها، ووفق الزاوية التي منها يتمُّ رسمُ تفاصيل هذا الغرام.
لهذا السبب تحديدًا، كنتُ أكتبُ النصوص بتؤدةٍ وشغفٍ
خاص، ثم أقرأ النص حين يكتمل، وأعيد الكَرّة مراتٍ ومرات مُصغيـًا إلى وقع الكلمات
وموسيقاها الداخلية، وأتذوق الجُمل والعبارات وأديرها في ذهني، حتى أرتاح إلى
الشكل النهائي للنص.
بالكتابة، يتحول الغرام من علاقةٍ رومانسية إلى حمولة
لغوية وإبداعية في حدائق محرّمة، ومن حدثٍ إلى تمثلاتٍ تفصح عن متخيلها وعن صور
هذا المتخيَّل في ذاكرة الكاتب والجُموع الجماهيرية. الإبداع، بهذا المعنى، يطلق
سراح الخيال، ويقدم رؤية شديدة التنوع، تعبر بالعلاقة الرومانسية إلى الشعري
والجمالي وربما الأسطوري، بعيدًا عن أي تبجُّح أخلاقي أو أحكام قيمية أو أفكار
نمطية جامدة.
هكذا تنسى نفسك في متعة الخيال، حيث لا وزن للظل ولا لون
للصدى.
أتمنى لكم قراءة
تجمع بين الفائدة والمتعة.
من مقدمة كتابي "الرومانسيون"، دار زين، القاهرة،
2020.
لكل من يستفسر عن الكتاب، أماكن توزيعه
في المكتبات التالية، مع تمنياتي بقراءة ممتعة :
أماكن
التوزيع:
القاهرة
وسط البلد
إبداع
عمر بوك
ليلى
الإسكندرية
بيت الكتب
السويس
جيل المستقبل
كفر الشيخ
الأتينيو بفوه
المنصورة
بوك لايف
سوهاج
البطش
أونلاين لجميع المحافظات على
zein bookstore
https://www.facebook.com/ZEINBOOKSTORE/?modal=admin_todo_tour
---------------
أماكن التوزيع
القاهرة
مكتبات الشروق
مكتبات ديوان
فيرجن
مكتبات أ
ليلى "وسط البلد"
كتب خان "المعادي"
الأهرام
أطياف "وسط البلد"
الأزهري "المعادي"
الكتبجية "المعادي"
مداد "التجمع الخامس"
الرشاد "مدينة نصر"
آدم "المعادي"
السراج "المعادي"
أقلام "وسط البلد"
ك "عين شمس"
الإسكندرية
روايات الشباب
بورسعيد
كشك الأهرام
المنوفية
أنتيكا
المنصورة
الشوبري
الشرقية
حروف
أسيوط
ومضة
طنطا
الصحافة
القومية
دمنهور
كريم
سوهاج
البطش
ردود