"قتل الأب"! هكذا فسر كاتبٌ مصري ما يجري، فانطلق من نظرية "قتل الأب" في الدراما المسرحية، ليقول إن "ك...
"قتل الأب"!
هكذا فسر كاتبٌ مصري ما يجري، فانطلق من
نظرية "قتل الأب" في الدراما المسرحية، ليقول إن "كل العرب يسعون
إلى قتل الأب وهو (مصر)؛ لأن هذا الأب لا يعرف كيف يتعامل مع أبنائه، فلا هو يواصل
العطاء كما عوَّدهم، ولم يصبح سلوكه قدوة لهم ليصبح له عليهم حق الطاعة، فنحن
تخلينا عن دورنا وهم يحاولون قتل الأب حتى لا يطالبهم برد الجميل الذي طوّق
أعناقهم كلهم عبر سنوات وسنوات"[1].
كان الاحتقان بين الجانبين على أشده، ولم يكن هناك استعداد لقبول مبادرات
تخمد نار الفتنة.
بل إن الدنيا قامت ولم تقعد حين نشرت
الصحف المصرية تصريحات لنجم النادي الأهلي والمنتخب المصري لكرة القدم محمد أبوتريكة، أبدى فيها استعدادًا
وترحيبـًا بالسفر إلى الجزائر ومشاركة شعبها احتفاله بالتأهل لمونديال جنوب إفريقيا. أبوتريكة في
توضيحه لموقفه قال إن هذا
هو الوقت المناسب لإزالة الاحتقان بين
الشعبين، على خلفية الأحداث التي خلفتها المباراة الشهيرة في أم
درمان[2]. وأضاف أنه ليس
من المنطقي السكوت على الجفاء الذي حدث جراء تلك المباراة؛ لأن ما بين
مصر والجزائر أكبر من أي خلاف بسبب مباراة في كرة القدم، خاصة أن الموضوع أخذ أكبر من
حجمه، كما أن مطالبة كل طرف للآخر بالاعتذار أمر غير مقبول، لأن ما بين الإخوة من
روابط في الدين والدم أكبر من أي اعتذار، وخيرهما من يبدأ بالسلام.
هذا الكلام الرصين استقبل بغضب شديد من
جانب أعضاء الجهاز الفني
للمنتخب المصري، وكانت الحجة في ذلك أن أبوتريكة
كان أحد شهود العيان لما حدث في
السودان وفي أنغولا، كما أنه على علم
بالتصريحات المسيئة التي صدرت عن لاعبي
المنتخب الجزائري وتناقلتها وسائل
الإعلام.
المشهد إذا صحت وقائعه، يشير إلى أن أبوتريكة
تبنى موقفـًا أرقى
وأكثر مسؤولية مما عبر عنه الجهاز الفني.
فقد تصرف اللاعب باعتباره مواطنا عربيـًا سويـًا في مصر الكبيرة التي
تحتوي الأشقاء وترتفع لأجلهم فوق الجروح. أما مسؤولو الجهاز الفني فقد
تصرفوا كأعضاء في قبيلة منكفئة على مراراتها ولا يعنيها إلا الثأر لما أصابها[3].
وشنت الصحف الجزائرية هجومـًا على الشيخ
عباس مدني، زعيم الجبهة الإسلامية للإنقاذ في الجزائر، لدعوته الجزائريين
والمصريين إلى نبذ الفتنة قائلاً، "متى كان المصري ضد الجزائري أخيه ومتى كانت
الجزائر ضد مصر أبدًا، هذا لن يكون ولن يكون أبدًا، وهذه مهمتكم ورسالتكم
الحضارية والأخلاقية على مستوى التمكين في عصر العلم والتكنولوجيا، ألا يكفينا تخلفـًا كي
نحوِّل النعمة إلى نقمة ونهاجم بعضنا البعض".
وشنت صحيفة "النهار الجديدة"
هجومـًا على تصريحات مدني على قناة "الجزيرة" الفضائية، قائلة: "أن
يتدخل عباس مدني ويبدي رأيه في المشاحنات التي نشبت بين أنصار
المنتخبين الجزائري والمصري، إلى هنا فالأمر عادي، لكن أن تعتبر قناة الجزيرة الرجل
الأول في الحزب المنحل من كبار العلماء وتضعه في مكانة (يوسف) القرضاوي، فهو أمر غير عادي"[4].
عقوبات الفيفا على مصر، رسمت ملامح فصل
جديد من الأزمة الكروية بين مصر والجزائر. فقد أصدر الاتحاد الدولي لكرة القدم في
18 مايو 2010 قرارًا "بتغريم الاتحاد المصري 100 ألف فرنك سويسري مع نقل مباراتين
للمنتخب المصري خارج مدينة القاهرة إلى أي مدينة تبعد 100 كيلو متر"[5].
وعقب إعلان عقوبة الفيفا على مصر بشأن
التعدي على حافلة البعثة الجزائرية وقذفها بالطوب والحجارة وهي في الطريق من
المطار إلى الفندق[6]،
أثيرت ضجة إعلامية سببها اعتبار كلا "المعسكرين" أنه خرج فائزًا من هذه
المواجهة.
غير أن إعادة التأمل وترتيب الأوراق من
جديد في ملفاتها، تبين مجموعة من الأمور، لعل أولها أن حادثة حافلة المنتخب
الجزائري في القاهرة حصلت بالفعل، ولم تكن الواقعة تمثيلاً وادعاء.. وكان هناك
بالفعل من ألقى بالطوب والحجارة على حافلة منتخب الجزائر، وكان بداخلها مراسل
قناة "كنال بلوس" الفرنسية الذي التقط صورًا للواقعة[7]، في حين سجل
اللاعب الجزائري رفيق صايفي لقطات لها على هاتفه المحمول[8]. وإذا كانت
الواقعة حدثت، فإن الجانبين نحَّيا إلى أبعد نقطة واجبة في التعامل مع الأمر.. مصر نفتها تمامـًا،
وقالت إن اللاعبين الجزائريين قد افتعلوها خشية أن يؤدي هذا إلى إلغاء المباراة
في القاهرة ونقلها إلى ملعب آخر[9].. والجزائر
ضخَّمت في المشكلة وقررت
تصويرها على أنها كارثة لكي تحاول أن تنقل المباراة إلى خارج القاهرة[10].
خطأ تناول الإعلام المصري للواقعة،
والتشكيك فيها إلى حد إنكارها[11]، هو ما دفع أحد
النقاد الرياضيين إلى القول: "ولأنه لم يعد هناك مجال لإنكار ذلك.. فلابد من
اعتذار رسمي وحقيقي وواضح من اتحاد الكرة لكل المصريين؛ لأن الاتحاد في البداية
قام.. أو حاول وأسهم وشارك في تضليل كل المصريين بترويج أكاذيب وقصص وحكايات بدا
في النهاية أنها ليست صحيحة.. لابد أيضـًا من اعتذار يتقدم به كل إعلامي شارك في
هذا الكذب والتضليل.. وهو اعتذار لن ينتقص من قدر أي أحد.. ولكنه اعتذار واجب وهي
فضيلة دائمـًا أن نرجع إلى الحق وأن نعترف به.. فلا سائق أتوبيس شاهد لاعبي
الجزائر وهم يرشون وجوههم بالكاتشب ولا كانت مسرحية مختلقة بسيناريو جزائري.. وإذا
كان من الصعب الآن المطالبة بهؤلاء الذين قاموا بهذا السلوك المعيب.. فلابد من
تغيير في سلوك مصري جماعي بشأن هذه الحوادث وتكرارها مستقبلاً سواء في الدوري
المصري أو مباريات المنتخب والأندية الإفريقية.. لم يعد ممكنـًا التسامح مع أي
متعصبين يعتدون على أي أتوبيس يخص أي فريق منافس.. ولا النظر بعين الرحمة أو
الشفقة مع كل من يخرج على أي قانون أو نظام"[12].
الكاتب نفسه حسم الجدل بشأن تأمين بعثة أي فريق وهي في الطريق بعيدًا عن الملعب، بتأكيد مسؤولية اتحاد
الكرة مسؤولية مباشرة عن تأمين أي منتخب يأتي إلى مصر، منتقدًا "ذلك الملف
الوهمي الشهير الذي أرهقنا مسؤولو اتحاد الكرة في الماضي بقوته وصلابته واحتوائه
على جميع المستندات والأدلة التي تدين اعتداء الجزائريين على الجمهور المصري في
الخرطوم.. ثم تبين بعد ذلك أنه ليس هناك أي ملف مصري على الإطلاق.. وهذا أيضـًا
يستوجب اعتذارًا واضحـًا وصريحـًا من كل مسؤولي اتحاد الكرة الذين مارسوا علينا
الكذب كثيرًا وطويلاً ولابد أن يبدوا لنا الآن ما نستحقه من احترام لأننا في
الحقيقة لا نستحق مثل هذه الأكاذيب ولا مثل هؤلاء الرجال.. ولابد أن يصبح ذلك هو
النقطة الفاصلة"[13].
هوامش
[2]
عمرو فهمي، أبوتريكة: مستعد للذهاب إلى الجزائر
.. والبدري حقق الهدف، جريدة "الشروق"، القاهرة، 13 مايو 2010.
[4] محمد ثروت، عباس
مدني يتعرض لهجوم جزائري لدعوته للمصالحة، موقع "اليوم السابع"
الإلكتروني، 20 نوفمبر 2009.
[5]
عصام شلتوت، الفيفا يغرم مصر 100 ألف فرنك ونقل
مباراتين، موقع "اليوم السابع" الإلكتروني، 18 مايو 2010.
[6] Egypt to play two matches outside Cairo,
FIFA.com, http://www.fifa.com/worldcup/organisation/media/newsid=1213553/, May
18, 2010.
[7]
World Cup footballers under attack,
BBC.co.uk.
http://news.bbc.co.uk/2/hi/8359265.stm,
November 13, 2009.
[9]
Ewan Macdonald, "Egypt Reacts To Algeria Attack Claims",
Goal.com. http://goal.com/en/news/1863/world-cup-2010/2009/11/12/1621214/egypt-reacts-to-algeria-attack-claims,12
November 2009.
[10]
عبدالله كمال، كل الذي
جرى: أول وأكبر تحقيق سياسي موثق عن مباراة مصر والجزائر، مجلة "روز
اليوسف"، مصدر سابق.
[12]
ياسر أيوب، بعد
أزمة الجزائر.. متى يعتذر المسؤولون والإعلاميون المصريون، جريدة "المصري اليوم"، القاهرة، 21 مايو
2010.
ردود