في 7 ديسمبر 2007، قدم النائب المستقل علاء عبد المنعم مشروع قانون لمحاكمة الوزراء ومن في حُكمهم إلى مجلس الشعب المصري. تضمن مشروع القانون 14 ...
في 7 ديسمبر 2007، قدم النائب المستقل علاء عبد المنعم مشروع قانون لمحاكمة الوزراء ومن في حُكمهم إلى مجلس الشعب المصري.
تضمن مشروع القانون 14 مادة، تقترح تطبيق القانون على كل مسؤول يؤدي اليمين الدستورية أمام رئيس الجمهورية، وبينهم "رئيس الحكومة والوزراء والمحافظون ونوابهم وغيرهم"، حتى لو ترك ذلك المسؤول وظيفته، على أن تشمل الجرائم الست الواردة، أمن الدولة والتأثير في العدالة وجرائم المال العام واستغلال النفوذ ولو بطريق الإيهام للحصول على فائدة أو ميزة ذاتية لنفسه أو لغيره، من خلال تشكيل لجنة تحقيق من 3 قضاة بمحكمة النقض، يتم إبلاغها بالجرائم. وتختص هذه اللجنة دون غيرها بفحص البلاغات المقدمة مكتوبة وموقعة إلى النائب العام وحده ضد الوزراء وتتولى اللجنة بصفة سرية بحث مدى جدية البلاغ.
وتشكل المحكمة الخاصة من أقدم 4 قضاة من نواب رئيس محكمة النقض وعضوين منتخبين من مجلس الشعب وعضو بمجلس الشورى من المنتخبين أيضا، وتصدر الأحكام بأغلبية 5 من أعضائها على الأقل. وأشار مشروع القانون إلى أن الأحكام الصادرة من المحكمة المشكلة غير قابلة للطعن فيها، إلا بطريق النقض أمام إحدى الدوائر، التي تنظر النقض في أحكام محاكم الجنايات، وتجوز المعارضة فيه أمام المحكمة ذاتها، إذا صدر الحكم غيابيـًا، ويستوجب كل حكم يصدر بالإدانة، عزل المحكوم عليه من وظيفته دون إخلال بتوقيع العقوبات المقررة قانونـًا بالجريمة[1].
كما حدد مشروع القانون الجرائم التي يحاسب عليها المسؤولون وهي: الفساد والتربح واستغلال النفوذ سواء للنفس أو للغير، حتى عن طريق الإيهام[2].
ونص مشروع القانون على بعض الإجراءات التي تتخذ ضد الوزير المقدم ضده البلاغ، وهي القبض عليه أو حبسه احتياطيـًا أو التفتيش لشخصه أو لمسكنه أو منعه من السفر، وأوجبت المادة (7) منه على النائب العام إعلان الوزير بصورة من قرار الاتهام وقائمة أدلة الثبوت قبل بدء المحاكمة بعشرة أيام على الأقل وإعلان شهود الإثبات بالجلسة المحددة.
ونص مشروع القانون أيضـًا على أن يكون اتهام رئيس الجمهورية أو نائبه بالخيانة العظمى أو خرق الدستور أو بأي عمل يمس استقلال وسيادة البلاد بناء على طلب يقدم من نصف أعضاء مجلس الشعب إلى رئيس المجلس مشفوعـًا بأدلة تؤيد الاتهام وأن تكون إحالة رئيس الوزراء أو نوابه أو الوزراء أو نوابهم إلى التحقيق أو المحاكمة بناء على قرار من رئيس الجمهورية أو اقتراح من 5 أعضاء بمجلس الشعب وموافقة ثلثي أعضاء المجلس. وقال مشروع القانون: إذا صدر قرار الاتهام ضد رئيس الجمهورية يوقف عن مزاولة مهام عمله كرئيس للجمهورية حتى يبت في أمره على أن يقوم نائبه بعمله لمدة لا تتجاوز 60 يوما[3].
لم يجد مشروع القانون طريقه للمناقشة أو الدراسة، وفي نهاية دور الانعقاد البرلماني عام 2008 اشتكى علاء عبد المنعم إلى رئيس مجلس الشعب حينذاك فتحي سرور من تجاهل هذا القانون الذي يساعد على سد العجز في المنظومة التشريعية لمصر، وهو ما أيده حينها سرور، مقررًا إحالة مشروع القانون إلى مجلس الشورى ولجنة الاقتراحات والشكاوى بمجلس الشعب.
مرة ثانية، دار القانون المقترح في أروقة مجلسي الشعب والشورى، دون جدوى. وفي عام 2009، ناقشت اللجنة التشريعية بمجلس الشورى مشروع القانون، وقررت إرساله إلى وزارة العدل لاستطلاع رأيها حوله، إلا أن الوزارة لم ترد.
وبعد 3 سنوات من التجاهل، عاد قانون محاكمة الوزراء إلى الواجهة عام 2010.
غير أن النية بدت مبيتة للمماطلة والتسويف إن لم يكن وأد مشروع القانون في مهده، بطرق ملتوية لا تخفى على أحد.
دعونا هنا نتحدث بمزيد من التفصيل عما جرى تحت قبة مجلس الشعب بتاريخ 28 فبراير 2010.
في تلك الجلسة، بدأت لجنة الاقتراحات والشكاوى بمجلس الشعب في مناقشة مشروع القانون، بعد أن قدم النائب المستقل علاء الدين عبد المنعم، طلبا موقعا عليه من 60 عضوا ينتمون إلى أحزاب المعارضة والمستقلين والإخوان المسلمين، يطالبون فيه بضرورة إحالة مشروع القانون إلى لجنة خاصة لمناقشته.
غير أن الحكومة أصرت على رفض مشروع قانون محاكمة الوزراء.
وقال المستشار عمر الشريف، مساعد وزير العدل لشؤون التشريع حينذاك، إن مشروع القانون غير دستوري؛ لأنه يخلق نوعـًا من التفرقة بين الأشخاص العاديين والمسؤولين التنفيذيين، خاصة أن المادة (40) من الدستور تنص على عدم التمييز بين الأفراد، لافتـًا إلى أن إجراءات الاتهام والتوقيف الواردة في مشروع القانون موجودة في قانوني العقوبات والإجراءات الجنائية. وأضاف الشريف: "لا يوجد ما يمنع من محاكمة الوزراء؛ لأنهم لا يتمتعون بحصانة برلمانية أو دبلوماسية كما حدث أيام أحمد نوح ـ وزير السياحة والطيران المدني في عهد السادات ـ الذي حوكم بقانون العقوبات".
ورد النائب علاء عبد المنعم، بأن حديث الحكومة عن عدم دستورية القانون غير صحيح، وقال: "المادتان 159 و160 من الدستور تنصان على ضرورة وجود قانون لمحاكمة الوزراء، وأن الدكتور فتحي سرور أكد عام 2007 أن هناك فراغـًا تشريعيـًا بسبب عدم وجود هذا القانون".
واختلف عبدالمنعم مع محمد جويلي، رئيس لجنة الاقتراحات والشكاوى حينذاك، الذي أصر على كتابة توصية يتم رفعها لـرئيس مجلس الشعب بأن يحال الاقتراح إلى مجلس الشورى، دون موافقة اللجنة؛ لأن الدستور يشترط موافقة مجلس الشورى على حد قوله ـ وقال علاء عبدالمنعم: نحن بذلك نعلق دورنا على مجلس الشورى رغم أننا أصل التشريع، وماذا سيفعل "الشورى" إذا كنا لم نناقشه أساسـًا بمعنى أن مناقشته هناك تتطلب مناقشته أولاً في لجنة الاقتراحات والشكاوى بمجلس الشعب، وأضاف: "أنا عارف إن مشروع القانون لن يخرج إلى النور، لكن إحنا بنعمل اللي علينا حتى نرضي ضميرنا، والشورى وحده يتحمل المسؤولية التاريخية إذا عطله".
وقال جمال زهران إن هذا القانون يخلق "حساسية" عند الحكومة، ورفضه يعني أنه يتم تنصيب الوزراء في موقع "الألوهية"، وتابع: الحكومة بييجي لها "أرتيكاريا" عندما تطالب بمحاسبة الوزراء.. الكل لا بد أن يخضع للمساءلة خاصة أن نائب رئيس هيئة النيابة الإدارية قال إنه لابد من خروج هذا القانون إلى النور لأن الوزراء يرتكبون جرائم بتأشيراتهم ويتحملها صغار الموظفين.
وأشار زهران إلى أن القانون ضروري لسد الفراغ التشريعي الموجود، وللحد من الجرائم التي ترتكب من قبل بعض الوزراء؛ لأن القانون سيكون رادعـًا ويجعل المسؤول يفكر ألف مرة، وتساءل: "إذا تقدمت باستجواب وثبتت اتهاماتي للوزير، فكيف تستطيع النيابة مباشرة مهامها؟!"، متهمـًا الحكومة بالتهرب من القانون وانتهاك الدستور.
ورد النائب أحمد أبو بركة على ما أثارته الحكومة حول إمكانية محاكمة الوزراء بقانوني العقوبات والإجراءات الجنائية، قائلا: هذه القوانين لا يجري تفعيلها على هذه الفئة ولا تكفي للردع، لافتـًا إلى أن المشروع يتفق مع الدستور الذي ينص على ضرورة وجود قانون لمحاكمة الوزراء.
واضطر رئيس لجنة الاقتراحات والشكاوى إلى إعلان الموافقة على القانون وقرر إرسال خطاب لـرئيس مجلس الشعب حينذاك يوصي بإحالته إلى مجلس الشورى وبسرعة الرد، وقال جويلي: الشعب كله يحتاج هذا القانون ويقف معكم[4]!
ثم ماذا؟
لاشيء: قبض ريح.
وهكذا كانت الأدراج مصير مشروع قانون محاكمة الوزراء، ولم يتمكن مؤيدوه سوى انتزاع موافقة لجنة الاقتراحات والشكاوى عليه فقط، لكنهم عجزوا عن طرحه للنقاش في لجنة الموضوع، وهي التشريعية، ولم يكن مستغربـًا في تلك الحال أن يتعامل مجلس الشورى مع إصدار هذا القانون بنفس أسلوب مجلس الشعب[5].
هوامش
[1] محمود محمد، سرور يحيل مشروع قانون لمحاكمة الوزراء إلى مجلس الشورى، جريدة "المصري اليوم"، القاهرة، 18 نوفمبر 2008.
[2] محمود مسلم، لجنة برلمانية تناقش غدا قانون محاكمة الوزراء بعد 3 سنوات من التجاهل، جريدة "المصري اليوم"، القاهرة، 27 فبراير 2010.
[3] محمد عبد القادر، "اقتراحات الشعب" توافق على مشروع قانون محاكمة الوزراء وتوصي بإحالته إلى "الشورى"، جريدة "المصري اليوم"، القاهرة، 1 مارس 2010.
[4] المصدر السابق.
لعل القانون ده يري النور حالياً بعد الثورة
ReplyDeleteمهندس مصري
ReplyDeleteأرجو ذلك
هذا بالضبط ما دفعني إلى الكتابة عن هذا القانون الغائب
مودتي
الفساد كان يضرب بجذوره فى كل المؤسسات ومنها مجلس الشعب الذى يطبخ القوانين بقيادة الطباخ فتحى سرور ويضع فى الأدراج القوانين التى تحاكم الفاسدين ومنها قانون محاكمة الوزراء الذى آن الأوان أن يخرج الى النور
ReplyDeleteعبدالهادى
عبدالهادي
ReplyDeleteنعم، حان وفت إصدار قانون محاكمة الوزراء
هو أحد القوانين التي ننتظر أن تصدر، حتى نبني مؤسسات تتمتع بالشفافية، ونتمكن من المساءلة والمحاسبة بشكل واضح لكل أصحاب المناصب الوزارية
شكرا لك يا صديقي العزيز على المتابعة