لم يكن هناك ضوء يا رباب

الجثة مطمورة تحت التراب هنا وحدنا نحن العرب لم نكن هناك كانت الكفان كفا ملاك الذراعان تمتدان كأنهما تبتهلان إلى السماء والجسد الغض قارب في ...





الجثة مطمورة تحت التراب هنا

وحدنا نحن العرب لم نكن هناك

كانت الكفان كفا ملاك

الذراعان تمتدان كأنهما تبتهلان إلى السماء

والجسد الغض قارب في محيط ساكن

كانت العينان مغلقتين لأن النوم كان يشتهي أحلام الطفولة

لكنهما الآن وردتان سقطت عليهما قذيفة

كم تلهو النار بلحوم الأبرياء في هذا الشرق الدامي

لكن البعض ينسى أن شلال الدم يستسقي الدم

هنا أطفال لن يكبروا يوماً

لم يبق من أحلامهم سوى أجساد ساكنة ملفوفة في ملاءات أو داخل أكياس

رباب.. التي نفضت عن نفسها غبار الموت وانتشلت ابنها الصغير من تحت الأنقاض

وتتعثر في خطاها قبل أن تبعد الأحجار عن جسد زوجها المقعد محمد

وفي رحلة البحث الأخيرة حاولت إنقاذ حياة ابنتها زينب

لكن الموت كان يسابقها

ومن أسرع من هذا الطائر المجنح الذي يقبض الأرواح في خفة

وفي جوف الظلام عرفت أن ابنتها استسلمت لنهايتها

لحظتها قبلت يد زينب.. وودعتها إلى الأبد

صمتت رباب الدامعة العينين للحظة.. فتكلم الصمت.. والكاميرا تدور:

انظر..هذا دمي بين يديك

هذه خصلة من شعر ابنتي

كنت أحتضنها

في هذا الصباح الحزين

تحت الأنقاض صرنا

غطى الغبار المكان.. اختفت الصور

تمتد اليد اليائسة إلى الخارج قبل انهيار الملجأ

لكن شيوخ اللذة وأمراء النفط وملوك الصمت ورؤساء الخنوع يشيحون بأبصارهم بعيداً

لتبقى الضحية في انتظار الموت

بعد أن انتظرت طويلاً يد العرب

تفتح السيدة الصابرة حقيبة قلبها لمراسل الجزيرة عباس ناصر
تقول: لو كان هناك ضوءٌ لأنقذتها

لكن لم يكن هناك ضوء يا رباب

فقد سرق الإسرائيليون نور النهار

وباع "الأشقاء" كل شموع الكون..ليتساوى القاتل والمتواطيء

انطفأ حتى بصيص الأمل

مالت الساعات حزناً تحاول إفاقة الضحايا في قانا

وحين لم تجد بينهم أحياء.. اطمأنت إلى أن رحلة الألم قد انتهت

لم تعد توجد أسرار

وعلى بشرة أطفال الملجأ.. مرتجفاً مر الهواء

أقعت الظلمة في محاجر العيون

لوهلةٍ تسمر عمال الإنقاذ في أماكنهم

وبأذهانٍ شاردة وعيونٍ زائغة بدأوا في انتشال الضحايا والبحث عن ناجين

تغوص أقدامهم في التراب الممتزج بالدماء والجثث التي نامت في قلوبنا بعد أن أدت دورها

كل الحقائق تنتهي بسؤال.. إلا موت الضحية

هذا الصمت المريب يحول الموت إلى خلود

ويصبح هذا الموت الغادر مقبرة من جحيم تبتلع جولة وزيرة الخارجية الأمريكية كوندوليزا رايس
لكن الكابوس يعود مع تهديدات رئيس الأركان الإسرائيلي دان حالوتس.. الذي قال إن القوات الإسرائيلية ستواصل القتال إلى أن ينعم سكان شمال إسرائيل بالسكينة والهدوء

أمن إسرائيل أولاً.. وليذهب أمثالنا من "الغوييم" إلى الجحيم

تباشير الشرق الأوسط الجديد خرجت إذاً من قانا الجليل

شرق أوسط معمد بدماء عشرات الضحايا الذين حصدتهم صواريخ وقنابل إسرائيلية المصدر أمريكية المنشأ

أطفال حملت أجسادهم الغضة سواعد المسعفين بعدما كانوا يبحثون عن الأمان في أحضان أمهاتهم

لكن في عالم الحقيقة لا حرص الأمهات ولا ملجأ أُعِدَ على عجلٍ يقي شر أسراب الطائرات الحربية

إنه التاريخ يكرر نفسه... في المكان نفسه وعلى أيدي جنود الكيان الغاصب نفسه
ما أصعب الجراح التي تبقى طازجة

هذه هي قانا ..مسرحٌ لمجزرة جديدة بعد نحو عشر سنوات من المجزرة الأولى

المشهد ذاته حصل في عام ستة وتسعين عندما شنت إسرائيل بقيادة العمالي شيمون بيريز عملية أسمتها "عناقيد الغضب" للقضاء على المقاومة اللبنانية
ذاكرة الجراح تقول إنه في الثامن عشر من نيسان من ذلك العام قصفت إسرائيل مجمع كتيبة فيجي التابعة لقوة الأمم المتحدة في البلدة.. فقتلت ما يزيد على مائة مدني لبناني كانوا قد اعتصموا بالمقر الدولي هرباً من القصف
هذه المرة كسابقتها..نحو مائة مدني بمن فيهم سكان المبنى نفسه يعتصمون ليلاً في ملجأ مبنى من ثلاثة طوابق في قانا شرقي مدينة صور
أتساءل: هل اسم قانا مشتق من الأحمر القاني..لون دمهم وخجلنا

قانا التي شهدت قبل ألفي عام معجزة للسيد المسيح عليه السلام .. شهدت هذه المرة مجزرة إسرائيلية.. لكنها حوَلت الماء إلى دماء

والجيش الذي لا يُقهر.. بعد أن ذاق طعم الهزيمة في مارون الراس وبنت جبيل..أراد أن يفجر حقده قنابل وقذائف تسقط من السماء الذبيحة كالمطر على الأبرياء

كم نكبة تكفي كي تستيقظ الضمائر؟

تساؤل آخر لا ينتظر الشهداء إجابة عنه

ها هم يمشون فوق الغمام

يمضون بعيداً

تاركين لنا الأرض.. الهاوية

ردود

تعليق المدونة: 27
  1. رات:
    دمنا يسيل على الشاشة.. فنغرق في أحزاننا وغضبنا
    لم يكن هناك مجال لأن نتحول إلى متفرجين.. وهذا الموت يحاصرنا
    رحم الله الأبرياء
    أما نحن.. فلن ننسى

    ReplyDelete
  2. لن تستيقظ الضمائر الا عندما نجد اليهود على عتبات منازلنا
    صدقني أيب حكامنا بالضمور وانعدام الضمير

    ReplyDelete
  3. Human: الأمر يتجاوز الحاكم.. مع أنه أولى لأنه يفترض فيه القدرة على اتخاذ القرارات وحماية مصالح الشعب والأمة.. لكن تظل إرادة الشعوب في حالة سكون.. فلا يكفي غضب المناسبات ومظاهرات المواسم. وربما حان وقت التغيير.. كي نخرج من دائرة الضحايا المغلوبين على أمرهم

    ReplyDelete
  4. اخي الحبيب ياسر المقام مقام الصبر والاحتساب
    وليس مقام الجزع واليأس
    ونحن شئنا ام ابينا جزء من امتنا بحلوها ومرها وبافراحها واتراحها
    اللحظة التي نعيشها قاسية ...لكنها تاريخية فهي تشهد تأسيس وتجديد فعل اعتبر لفترة نسيا منسيا
    انه فعل الصمود و فعل الارادة.اختلف مع الكثيرين الذين لا يريدون رؤية الضوء القادم وينفطر قلبي لما يحدث
    لكن مازلت اعتقد ان الامل في الله سبحانه وتعالى اكبر من كل الكوارث

    ReplyDelete
  5. أسامة: أتفق معك تماماً يا صديقي
    نعم.. إنها لحظة فارقة تشهد تأسيس فعل الصمود وفعل الإرادة
    كلامك موزون كعادتك دوماً

    ReplyDelete
  6. باحييك على نشر التدوينه
    فى ناس بترفض أننا ننشر صور ونتكلم فى الموضوع ده مش عارف ليه مش عايزنا نفضح الصهاينه الكلاب وتوحشهم ضد المدنيين
    أرجو زيارة مدونتى وقراءة التعليقات السلبيه على تدوينتى "قريتنا قانا " فقط لترى أناس لا ينظرون الى النصف الفارغ من الكوب

    ReplyDelete
  7. الغريب: أشكرك.. لا أرى أن من يعترضون على نشر تلك الصور على حق.. فإذا اختفت - أو أخفينا- تلك الصور لما كانت هناك من الناحية البصرية مذبحة ولا من يحزنون

    ومع احترامي للقواعد الأخلاقية التي يستند إليها البعض لتبرير رفضهم.. فإن تلك الصور ليست Graphic كما يسميها البعض.. فهي الدليل على ما جرى.. ومثلما نشاهد الصاروخ وهو ينطلق والطائرة وهي تلقي بحمولتها المدمرة.. من حق الناس أن يروا أين هبط الدمار وما الذي حل بالضحايا.. تجادلت مع زملائي الإعلاميين حول هذا الموضوع وانتهينا إلى ضرورة إظهار صور ضحايا القصف الوحشي.. لاحظ أيضا أن تلك الصور كانت في معظمها لأجساد غضة مطمورة تحت التراب.. من دون شلال دماء أو أطراف بشرية مبتورة أو أحشاء تتدلى. وهي قد تكون دليلاً على استخدام أسلحة محرمة دولياً كالقنابل الفراغية..إن تلك الصور في رأيي توثيق للجريمة.. وإخفاؤها إخفاء للجريمة وإنقاذ للجاني من فضح جريمته

    ReplyDelete
  8. معظم الضحايا ماتوا من انفجار وتهدم المبنى والصدمة المرعبة الناجمة عن قنابل ضخمة بزنة كبيرة ومصوبة بدقة فقد اصابت المبنى بدقة
    لآن الصهاينة كانوا يعتقدون انه موقع للمقاومة

    ReplyDelete
  9. الغباء والحول والجبن السياسي عاميين العيون
    يا خوفي لا يكونوا مش هيفوقوا غير علي ضرب الرياض والقاهره

    ReplyDelete
  10. أسامة: للأسف.. القصف تم ليلاً فأوقع مزيداً من القتلى وهم نيام.. كانوا يختلسون لحظات من الراحة قبل أن يستأنفوا مواجهة القصف النهاري فإذا بآلة القتل تعمل ليلاً



    كلام: ليتهم يتذكرون في وقت مبكر مقولة "ألا إني أكلت يوم أكل الثور الأبيض"

    ReplyDelete
  11. الصديق الجميل ياسر

    العنف أصبح لغةالحوار وإسرائيل كيان إجرامي يتحين الفرصة للقتل الجماعي. لقد أصبح الامر لايطاق.

    شكرا لكتابتك التي تنحاز للانسان

    ReplyDelete
  12. طبيبنا النفسي: إسرائيل تقتل وفي ذهن قادتها أهداف عدة.. التدمير والتخويف والترهيب والحرب النفسية ومحاولة شق الصف اللبناني.. إلخ
    نتيجة التحقيق الإسرائيلي فيمجزرة قانا كانت مضحكة ومستفزة في الوقت نفسه.. فالعيب ليس على إسرائيل وإنما على هذه الطفلة/ الضحية التي كانوا يخشون أن تتزوج عندما تكبر شاباً ينتمي إلى حزب الله

    ReplyDelete
  13. اعتذر عن عدم وجود تعليق علي هذة التدوينة سوي انها لن تكون اكثر ايلاما مما يحدث بالفعل لكني عندي تعليق علي تدوينة سابقة عن المتنصتون لاحمد والي اردت فقط ابلاغك انه له عمل اكثر من رائع نش في دار ميريت وهو حكايات شارع البحر

    ReplyDelete
  14. اشتراكي: شكرا أيها الأخ الكريم.. أعرف أن الروائي الجميل أحمد والي لديه "حكايات شارع البحر".. كنت أتمنى أن أكتب عنها قريباً لولا الأحداث في لبنان.. ولكن الفكرة في البال لأن هذا العمل يستحق القراءة والاحتفاء

    ReplyDelete
  15. ياسر

    روحى ممزقة
    وقلبى مات
    بما أشاهده
    من قتل وحشى للبنان الجميل

    ليت الكلمات قنابل نقذفها فى وجه الجبناء

    //
    قلبى معك رات العزيزة

    ReplyDelete
  16. محمد العشري:
    يقتلون لبنان يومياً ألف مرة

    ويحاولون كسر إرادة هذا الوطن

    فلا نامت أعين الجبناء

    ReplyDelete
  17. كلمات...بل سهام ادمت القلب
    اللهم أزل الغمه عنهم

    ReplyDelete
  18. سالفة قلب: آمين.. تلك الغمة أصابتنا جميعاً.. والكلمات تتسرب بين الأصابع في وصف حالنا.. شكراً على الزيارة

    ReplyDelete
  19. سلامك وصل إلي مازن أمان يا سيدي العزيز.. اتمني أن تكون بخير

    ReplyDelete
  20. محمد علاء الدين: شكراً لك على توصيل السلام/ الأمانة.. زيارتك تضيء المكان. الحمد لله أنا بخير.. وإن كانت الأحداث التي تعرف في لبنان تلقي ظلالاً من الحزن على النفس.. شكراً لك على الزيارة والسؤال

    ReplyDelete
  21. نور في المكان لا يتيح لنور آخر ان يمازجه. لله نور علي نور و للبشر نور فوق صمت
    شكرا علي كلامك الرقيق دومًا
    :)
    علاء

    ReplyDelete
  22. هنا أطفال لن يكبروا يوما

    وتبقى أحلامهم البريئة تثنّ تحت التّراب
    تنتظر من يتطوّع لانقاذها
    بينما ترسم أيديهم الحيّة صورة قلب أو ابتسامة أو قلم تلوين

    شكرا لمقالنك الصّادقة

    ReplyDelete
  23. محمد علاء الدين: أنت إنسان جميل


    دوحة: يرحلون ويتركون فجوة في القلب.. لا أحد يستطيع مواساة أب أو أم فقدت طفلها
    بل الشكر لك على كلامك الطيب

    ReplyDelete
  24. كلماتك يا اخي تعتصر لها القلوب :(

    اللهم زلزل الأرض تحت أقدام جيش العدو الغاصب.. يا رب إنهم أتونا بكل عتادهم وعدتهم.. فيا رب اجعل تدميرهم في تدبيرهم... واجعل الدائرة تدور عليهم... اللهم فرق كلمتهم وبدد شملهم ورد كيدهم في نحورهم... اللهم ارمهم بسهمك الصائب وأرسل عليهم طيوراً أبابيل... اللهم أنزل عليهم سخطك وغضبك ليذوقوا العذاب

    ReplyDelete
  25. الجرح ما زال ينزف ،

    والألم مازال يبحث عن مسكن

    لكن نصر الله قادم


    ولا تهنوا ولا تحزنوا وانتم الاعلون

    ReplyDelete
  26. قلب صادق: آمين

    أكتب بالرصاص: لا نصر من دون تضحية.. وضريبة الدم التي يدفعها الآن أهلنا في لبنان وفلسطين تدفع عن أمتنا بلاء عظيماً

    ReplyDelete

Name

إعلام,20,الحكواتي,234,المحروسة,299,بشر,139,رياضة,105,سينما,11,مؤلفات ياسر ثابت,90,مروج الذهب,164,مساخر,51,وطني الأكبر,27,
ltr
item
قبل الطوفان: لم يكن هناك ضوء يا رباب
لم يكن هناك ضوء يا رباب
http://photos1.blogger.com/blogger/3732/2307/320/1_635592_1_34.jpg
قبل الطوفان
https://yasser-best.blogspot.com/2006/07/blog-post.html
https://yasser-best.blogspot.com/
https://yasser-best.blogspot.com/
https://yasser-best.blogspot.com/2006/07/blog-post.html
true
5099734155506698511
UTF-8
تحميل كل الموضوعات ليس هناك أي موضوع مشاهدة الكل تابع القراءة تعليق مسح التعليق حذف الناشر الرئيسية الصفحات الموضوعات مشاهدة الكل اقرأ أيضا قسم أرشيف ابحث كل الموضوعات لم يتم إيجاد موضوع يطابق بحثك عودة إلى الرئيسية الأحد الاثنين الثلاثاء الأربعاء الخميس الجمعة السبت الأحد الإثنين الثلاثاء الأربعاء الخميس الجمعة السبت جانفي فيفري مارس أفريل ماي جوان جويلية أوت سبتمبر أكتوبر نوفمبر ديسمبر جانفي فيفري مارس أفريل ماي جوان جويلية أوت سبتمبر أكتوبر نوفمبر ديسمبر اللحظة قبل دقيقة $$1$$ قبل دقيقة قبل ساعة $$1$$ قبل ساعة أمس $$1$$ قبل يوم $$1$$ قبل أسبوع قبل أكثر من 5 أسابيع متابعون تابع محتوى مشروط اضغط لفك التشفير انسخ الكود ظلّل الكود تم نسخ الكود في الكيوبرد لم يتم نسخ الكود/ النص, اضغط [CTRL]+[C] (or CMD+C with Mac) للنسخ