إن كان هناك وزير واحد يمكن الرهان على أنه يمتلك رؤية محددة للعمل والمستقبل في وزارته، فهو بالنسبة لكاتب هذه السطور هو وزير الت...
إن كان هناك وزير واحد يمكن الرهان على أنه يمتلك رؤية
محددة للعمل والمستقبل في وزارته، فهو بالنسبة لكاتب هذه السطور هو وزير التربية
والتعليم د.طارق شوقي.
التحديات كبيرة، والأزمات متجذرة في منظومتنا التعليمية
التي نخر فيها سوس الإهمال والفساد لعقود طويلة، إلا أن وزير التربية والتعليم
اختار منذ توليه منصبه سياسة تطوير التعليم المنهار على مستويات عدة، ليس عبر
مسكنات مؤقتة، وإنما عن طريق بناء نظام تعليمي أكثر تطورًا ومواكبة للعصر. وإذا
كنا جميعـًا غير راضين عن مخرجات نظامنا التعليمي الحالي انطلاقـًا من أن مصر
جديرة وأولادنا يستحقون منا ما هو أفضل، فإن طارق شوقي لم يهدر وقتـًا في تجميل
الوضع أو الادعاء بأن كل شيء تمام، وكان أول عمل له في الوزارة هو الرصد الدقيق
للمشكلات، سواء الخاصة بالسادة المعلمين أو القيادات أو المكافآت أو المدارس
الخاصة والدولية أو الكثافات أو عجز المعلمين في بعض الأماكن وخلافه.
بأسلوب جديد ومغاير لوزراء التعليم السابقين، شرع طارق
شوقي في إيجاد حلول "جذرية" وليست شكلية أو دعائية لهذه المشكلات رغم
كثرتها وصعوبتها. ونظرًا لكثرة التحديات ولصعوبة الحلول والكثير من المقاومة
الداخلية والخارجية فإننا فإنه اختار فريقـًا من ذوي الكفاءة ووزع المهام حسب
القدرات والاهتمامات على أعضاء فريقه، ووضع معهم خططـًا محددة لحلها وفق جدول زمني
بالأولويات.
الأكيد أن هذا التغيير يحتاج وقتـًا، وأن التطوير
والإصلاح لن يحدث بين يوم وليلة، ولكننا نستطيع القول إن هناك نجاحات ملموسة،
أبرزها تقليص مشكلات صداع الثانوية العامة والامتحانات وتراجع ظاهرة الغش الفردي
والجماعي، بفضل خطط وإجراءات وأفكار تطبق نظام "البوكليت" وتحرص على
تأمين الامتحانات مع تطوير نظام قياس قدرات الطلاب خلال الفترة المقبلة.
ولو أن هذا الوزير اختار الطريق الأسهل والمناسب شعبيـًا،
لكنا خسرنا الكثير على المدى المتوسط والطويل. كان من الأسهل والأقل صعوبة
الاكتفاء بحل المشكلات التقليدية وكسب الشعبية بدون تحسين مخرجات التعلم بشكل
حقيقي، عن طريق الدعاية لأعمال إنشاء فصول دراسية وتقليص المناهج حتى لو تعارض هذا
مع مصفوفة المناهج. غير أن ما سهدناه جميعـًا هو أن الوزارة أدركت أخيرًا طبيعة
دورها وأهمية التعليم لتطوير مصر، عبر وضع تصور أكثر جرأة وأشد صعوبة بكثير، يتلخص
في العمل في ٣ اتجاهات على قدر عالٍ من الصعوبة. فقد تم الاهتمام بحل المشكلات
التقليدية وتسيير الوزارة والمنظومة بشكل أكثر كفاءة وإدارة دفة التعليم الحالي
بنجاح، وهي وظيفة أي وزير يأتي لهذه الوزارة الضخمة.
في خطٍ موازٍ، هناك جهدٌ كبير يهدف إلى تغيير نظام
التقييم المعتمد على امتحان قومي موحد (الثانوية العامة) واستبداله بنظام آخر أكثر
دقة يقيس المهارات الحقيقية ومخرجات التعلم عبر ٣ سنوات بشكل تراكمي، كي نتخلص من
الدروس ونستعيد الطلاب والمعلمين في المدارس ونغير فلسفة التعليم من المجموع فقط
إلى المجموع مع التعلم الحقيقي.
من جهة ثالثة، عمل فريق إصلاح التعليم في الوزارة على
تصميم نظام تعليم جديد تمامـًا، من حيث الفلسفة والهدف والمناهج والمعلمين
والتقييم وبناء الشخصية وتكريس الهوية واكتساب مهارات حياتية وفكرية وعلمية يبدأ
من رياض الأطفال، على أن يكون متاحـًا للطلاب ابتداء من عام ٢٠١٨.
هناك عملٌ يتم وإنجاز على الأرض، علينا أن نفهم أبعاده
بعيدًا عن لغة التشكيك ونشر الشائعات والاكتفاء باليأس أو السخرية.
لم ينكر أحدٌ قائمة مشكلات التعليم في صورته الحالية،
وهناك أفكار ومبادرات قيد التنفيذ رغم تدهور المنظومة التعليمية ككل، وهذا في حد
ذاته بداية التشخيص الصحيح، على طريق العلاج.
دعونا نفكر في إصلاح التعليم، فهو –مع القطاع الصحي- خط
مناعة الوطن ككل، وليس طلابنا فحسب.
ردود