في قاعة صغيرة بكلية الصحافة في جامعة ويلز- كارديف البريطانية، كان أستاذ الدعاية السياسية جيف مانجهام يتحدث إلى طلبة الم...
في
قاعة صغيرة بكلية الصحافة في
جامعة
ويلز- كارديف البريطانية، كان أستاذ الدعاية السياسية جيف مانجهام يتحدث إلى طلبة
الماجستير عن الدعاية النازية ضد اليهود، فيما يدور شريط وثائقي عارضـًا لقطاتٍ من العهد النازي والرسومات
الدعائية التي انتشرت آنذاك للإساءة إلى
اليهود.
فجأة،
تحدث طالب من أحد أطراف القاعة قائلاً:
"وماذا عن الدعاية اليهودية ضد النازية؟" جفل جيف للحظة وقال بصوته الجهوري: "ماذا
تقصد؟". لم تكن الأفكار مرتبةً بعد في ذهني للإجابة عن هذا السؤال، لكني أجبت بسرعة
قائلاً إن اليهود حاولوا بعد العهد النازي تشويه صورة الألمان ككل- وليس فقط هتلر وأركان نظامه- أثناء الفترة النازية
عبر سلسلة من الأعمال الأدبية
والتاريخية والسينمائية.
بعد
المحاضرة، سألتُ جيف عما إذا
كان
من الممكن أن أنجز بحثي في هذه المادة عن الدعاية اليهودية ضد الألمان أثناء العهد النازي. بدا الرجل متشككـًا
من مدى إمكانية توافر المصادر والمعلومات اللازمة لإنجاز بحث أكاديمي رصين حول هذا الموضوع الشائك. في النهاية
أبدى موافقة مترددة.
وهكذا
انطلقت في جمع المعلومات والمراجع
والمصادر المتوافرة عن هذا الموضوع الذي استهواني بشدة. وفي نهاية المطاف استقر بي الأمر لأن أنجز
الدراسة معتمدًا على فيلم ستيفن سبيلبرغ "قائمة شندلر" أو Schindler's List وكتاب دانييل غولدهاغن Hitler's Willing Executioners: Ordinary Germans and the
Holocaust ووضعت صورة غلاف الكتاب وملصق الفيلم على الصفحة
الأولى للبحث، الذي
بينت فيه كيف استخدم سبيلبرغ مختلف أساليب الدعاية في فيلمه ضد الألمان - حتى أوسكار شندلر.. نجده
في الأساس غير عابئ باليهود لولا تأثره بولائهم وذكائهم.. ونسائهم- في حين لم نجد يهوديـًا واحدًا سيئـًا أو شريرًا...
فكلهم عنده ملائكة وضحايا
مضطهدون.
وحتى
أتمكن من دراسة الفيلم أعدت مشاهدته مراتٍ ومراتٍ على شريط فيديو اشتريته - وللأسف
صادرت سلطات مطار القاهرة شريط الفيديو
لدى عودتي إلى مصر.. واختفى في ظروفٍ غامضة في مكتب مدير الرقابة على المصنفات الفنية علي أبو
شادي- وكنت قد شاهدته في دور السينما الأميركية لدى عرضه ورأيت كيف كان بكاء
الجمهور على هؤلاء "الضحايا" يقطع نياط القلب- ورصدت النقاط الرئيسة التي تكشف عن
مبالغات وتحويرات وفي بعض الأحيان أكاذيب عن شخصية أوسكار شندلر.. اعتمادًا على شهادات عدة مكتوبة منها شهادة زوجة الرجل
التي نفت صحة كثير مما ورد في
الفيلم عن زوجها.
يتحدث
الفيلم المتقن فنيـًا الذي صور في معظمه باللونين الأبيض والأسود - مع مرورٍ صامت
ومدروس بعناية لتلك الطفلة ذات الثوب
الأحمر عبر شريط الفيلم، لتمثل البراءة المغتصبة للضحايا- عن قصة يقول إنها حقيقية.. لكن عددًا
من الأشخاص الذين صور الفيلم حياتهم أقروا بأن ما جرى فعلاً كان مختلفـًا عما شاهدناه على الشاشة. وفي المقابل، نجد
الألمان قساة القلوب الذين يقتلون
اليهود بلا رحمة.. مثل ذلك الضابط الذي لعب دوره ببراعة رالف فاينس والذي كان
يتلذذ بقتلهم.. وحتى عندما تحركت مشاعره تجاه خادمته اليهودية كان يقاوم ذلك الشعور.. وفي أحد
الحوارات معها أخذ يتلمس وجهها وهو يقول إنها لا يمكن أن تكون بشرًا؛ لأنها في النهاية
في نظره أقل من أن تكون كذلك.
يغفل
الفيلم تمامـًا حقيقة أن هتلر قتل من الغجر والسلاف والمثليين والمرضى العقليين
وغيرهم، بأرقام تفوق من قتلهم من اليهود.. ويجعل الهولوكوست حقيقة تاريخية مؤكدة
بشكل لا يسمح لأحد بأن يناقش أي
تفاصيل
تتعلق بوقائعها وعدد ضحاياها وما إلى ذلك من أمور. وليذهب أي باحث ومؤرخ - مثل
الفرنسي روجيه غارودي والبريطاني ديفيد إيرفينغ اللذين شككا في حقيقة ما جرى- إلى
الجحيم.. أو ساحات القضاء الغربية التي تدينهم.
الأخطر
من ذلك، أن نهاية الفيلم تتحدث عن هزيمة
النازية فإذا بضابط روسي يقول للضحايا اليهود عندما يسألونه إلى أين يذهبون إنه يعلم إنهم لا
يمكنهم الذهاب في هذا الاتجاه ولا ذاك الاتجاه.. ولكن بوسعهم الذهاب في هذا الاتجاه.. ويشير بيده إلى ناحيةٍ معينة
لتنتقل الصورة إلى القدس مع أغنية
تتردد في الخلفية عن العودة إلى أورشليم.. في حين يرافق الممثلون الرئيسيون اليهود الذين
جسدوا شخصياتهم على الشاشة وهم يضعون الورد على قبر شندلر.. وكأن الفيلم يقول إن
القدس - وربما فلسطين- هي التعويض الطبيعي لضحايا النازية من اليهود.
كانت
الأوسكار في انتظار سبيلبرغ
في ذلك العام.. في حين تجاهلته الأوسكار عندما تحدث - على سبيل المثال- عن الرق ومأساة
الأفارقة الذين تاجروا فيهم ونقلوهم إلى القارة الجديدة أميركا في فيلمه
Amistad لأن
الأفارقة في النهاية ضحايا هامشيون بالنسبة إلى هوليوود.
وفي
بحثي- الذي نلت عنه درجة الامتياز بفضل
نزاهة وحيادية أستاذي جيف الذي أثنى على الدراسة- كنت أحاول رصد أساليب الدعاية اليهودية
التي تتلاعب بالعقول وتعزف على وتر عقدة الذنب لدى الغرب، على حسابنا طبعـًا نحن العرب.
سبيلبرغ
مخرج كبير يملك أجندته السياسية، وربما كان قد أنجز قائمة شندلر كي يتصالح مع
ماضيه ويؤكد انتماءاته كيهودي.. وإذا
كان في فيلمه المذكور قد ركز على اليهود كضحايا للنازية فإنه في فيلمه
"ميونيخ" يجعل اليهود ضحايا للعرب، ليس أمامهم سوى الرد على العنف
الفلسطيني بالأسلوب الذي يفهمه الفلسطينيون: العنف المضاد.
سبيلبرغ
ذاق طعم الأوسكار لأول مرة عبر فيلمه قائمة شندلر؛ لذا نجده يغازل الأوسكار من
جديد عبر البوابة الأكثر تأثيرًا ونفوذًا.
ولا
عزاء للعرب.
و الله الموضوع عظيم فعلاً و جارودي كتب في موضوع الأساطير المئسسة للدولة الضهيونية ده لحد ما قال يا بس المشكلة أن القارئ الغربي واقع تحت سيطرة الميديا اللي من ناحية تانية واقعة تحت سيطرة أصحاب المصالح في أظهار اليهود كشهداء البشرية قتل من اليهود نصف مليون و كم قتل من السوفيت ؟؟؟ و من الغجر ؟؟؟ بالفعل الأمر يدعو للأستفزاز لكن أنكار قتل اليهود غير مجدي في كل الأحوال بل و مضر بقضيتنا.
ReplyDeleteيجب ان يكون هناك جهد جماعى من اجل نشر وفضح اكاذيب اليهود حول ما يسمى المحرقة فى اوشيفيتز وغيرها
ReplyDeleteوفى هذا فلنتعاون مع الجهد الجبار الذى يبذلة(بغشومية)الرفيق احمدى نجاد
على فكرة اكثر ما يثير اليهود ويغضبهم هو اثارة موضوع المحرقة والتشكيك فى رقم الستة مليون كلب المزعومين
ومن هنا يجب دائما العمل بكل السبل المتاحة والطرق الميسرة فضح هذة الكذبة
وهذة صفحة لاحد المحققين فى المحرقة ويسمون بالمراجعين
http://www.geniebusters.org/915/04g_gas.html
انا لسه شايف الفيلم بتاع شيندلر النهاردة هو فيلم صهيونى بس مينفعش اننا نقول انه اغفل تصفية الغجر هى دى نفس رد الصهاينة لما بيتسالوا بتقتلوا الفلسطينيين ليه فيقولك وازاى تنسوا النازى واللى عمله فينا .. احنا عقليتنا بفت مجردة من الضمير احساسنا بالظلم اللى هو صحيح ومش عقد خلانا ننكر ماسى حصلت فى التاريخ هما مش 6 مليون هما مليون واحد وبس .. المشكلة انك والمعلقين مش فارق معاكوا والمشكلة مش ان فيه ناس لاتقتلت المشكلة هو ازاى الفاشية يتؤسس نظم وتقمع خلق الله كده
ReplyDeleteZengy
ReplyDeleteنظرتك عاقلة ومتعقلة، وبالفعل: الإنكار ليس أفضل الطرق لمعالجة مثل هذه الأمور
adhm
ReplyDeleteهناك دراسات ومراجعات تاريخية وجهود مبذولة لاستقصاء الحقائق.. المهم هو كما قلت من قبل هو أن تكون الحقائق أهم من المشاعر، لأن هذا بالفعل يضر أنصار أي قضية
Anonymous
ReplyDeleteأشكرك، مع أني لا أتفق معك.. الصوت العالي تضيع معه المواقف والحقائق.. والتوزيع المجاني للاتهامات واللجوء إلى لغة التخوين، أسلوب عفا عليه الزمن
..إن كنت لا تدري
فعلا اتفق معكم يا باشا
ReplyDeleteفى الحديث عن الالة الدعائية اليهودية
والتى ابتزت وماتزال العالم من خلال موضوع الهلوكوست
فهكذا اليهود كلما لاح لهم فى الافق ما يغاير اساليبهم وسياستهم يلوحوا فى وجه بها
وتهنئتى القلبية بنجاحكم فى البحث عن هذه القضية التى لم يتطرق اليها احد
كما يسعدنى قراءة موضوعى عن
الشخصية الفلسطينيه فى السينما الاسرائلية
فى مدونتى
الاسكندرانى عاشق السينما
http://wwwsevenart.blogspot.com/
مع خالص تحياتى
علي نبوي عبد العزيز
ReplyDeleteأشكرك على متابعتك واهتمامك.. زرت مدونتك السينمائية الجميلة، واستمتعت بالدراسة التي كتبتها عن الشخصية الفلسطينية فى السينما الإسرائيلية، كما قرأت كتاباتك عن سوزان ساراندون وغيرها
مودتي وتقديري